للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه، وتشجيعه ببضع كلمات. كان يتنفس بصعوبة، وفي حالة إغماء، ولم يلبث أن مات في الساعة الواحدة ليلا. وبقيت أنوار المصابيح الكهربائية تسطع على جدران المستوصف طوال الليل. ووصل إلينا صوت سيارة (الجيب) الخاصة بالطبيب وهي تدخل المعسكر، وبقيت غرفة الرقيب مضاءة حتى وقت متأخر من الليل. وفي الصباح، أخذ الضجيج يرتفع بين المعتقلين وهم يتناقلون الخبر: (لقد مات الجواهري مصطفى، الذي يعمل في شارع بوتان، أضلاعه مهشمة وأحشاؤه ممزقة) وقامت الفتاة (ك) بجمع ثيابه.

كان مهجعنا مكتظا بالمعتقلات، وقد أفدنا من بعض الامتيازات، باعتبارنا نساء، فكان باب الغرفة يبقى مفتوحا ساعات عديدة في النهار، وكنا نستطيع التردد على المراحيض بحرية تامة، ونستطيع غسل ثيابنا، بل وحتى الاغتسال بمساعدة أنبوب مرن. وكان لدينا بعض الأغطية التي كنا نتبادلها فيما بيننا. في حين كان الرجال يتعرضون للمعاناة الصعبة أكثر منا؛ ينامون على الأرض، ويلتحفون ثيابهم إن وجدت معهم هذه الثياب. ولا يخرجون إلى المراحيض (دورات المياه) إلا بنظام (الاستعراض)، أو بالرتل، وبمعدل مرتين يوميا - كما سبق ذكره - يحيط بهم المظليون. وتقفل عليهم الأبواب فور عودتهم، وكانوا يتعرضون للضرب، كما لو كانوا نوعا من الكلاب.

جاء مظليان، ذات يوم، لأخذ الفتاة (ف) التي كان اسمها على (اللائحة البيضاء) وما إن نطق الديدان مناديا لها، حتى اصفر وجهها، وشحب لونها، وارتدت ثيابها وهي ترتجف، وتقدمت لمساعدتها بجهد، وجمعت لها حوائجها بصعوبة، إذ كنت أرتجف

<<  <  ج: ص:  >  >>