بدوري من قمة رأسي إلى أخمص قدمي. وقلت لها مشجعة:(تشجعي، تشجعي، فلعل هناك خطأ في الإسم!) وكان من العسير علينا تشجيعها ونحن نعرف جيدا ما ينتظرها.
خرجت (ف). وتركتنا في حالة من القهر العميق، والإحباط المرير، محرومين من صداقتها فمر الوقت بنا متباطئا، ثقيلا. لقد كان معنا راقصات فنانات، ومطربة تغني الشعر العربي الغنائي، فكانت وأختها تثيران المرح في غرفتنا. وكانت الفتاة (ر. س) قد عرفت كثيرا من البلاد بسبب كثرة أسفارها، ووفرة نشاطها - ديناميكيتها - فكانت تنضم إلينا، وكذلك كانت تفعل الفتاة (هـ -) ذات الشعر الأسود الطويل والمضفور، والتي كان لها من العمر ستة عشر ربيعا، فكانت أصغر المعتقلات فينا. ولم تكن (ي - هـ) التي تبلغ من العمر (٦٥) عاما لتمتنع عن المشاركة في إثارة جو المرح، والترفيه عن المعتقلات، وتلك هي صورة عن الطريق الذي أوصل هذه السيدة العجوز، المحدبة الظهر، والشديدة النحول، للسير وحدها خلال فترة عصيبة من الحياة. ولقد اشتد بنا الزحام في هذه الفترة، فلم يعد لدينا ما يكفي من الأغطية؛ فكنا نستيقظ في الليل ونحن نرتعد من البرد، ونمضي بقية الليل في رواية القصص والحكايات بانتظار طلوع النهار. ولم تجد (الأم حليمة) ملاذا لها في أي مكان، فنامت على زاوية من غطاء، لم تتذمر، ولم تعلن عن سخطها، وعندما أفاقت في الصباح، منحنية منطوية، انسحبت من مكانها وهي تقول:(آه أيتها الحرية، كم نعاني من أجلك؟) وذكرتنا كلماتها هذه بما يجب علينا عمله لتوثيق الروابط فيما بيننا داخل هذه الغرفة، وأقبل الجميع عليها، وضموها إليهم، وأعجبوا باتساع أفقها، وفكرها المتفتح، وذكرت لنا بأن المظليين قد عملوا