للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتقالي من معسكر إلى معسكر؟ تراهم يريدون تعذيبي من جديد؟ أم تراهم يريدون إطلاق سراحي؟ إذا فعلوا ذلك فإن مدة اعتقالي ستكون ثلاثة أشهر منذ توقيفي في معسكر (مصوص)! ...

وهكذا كانت تتعلق بأكبر الآمال وهي تعاني من أشد الآلام والمخاوف حتى أنها لم تكن تعرف للنوم طعما، حتى علمنا بعد أيام قليلة، ومن خلال التقاطنا لبعض أطراف الحديث الذي كان يدور بين الجلادين، بأنهم سيعيدون الفتاة (ف) إلى التحقيق من جديد، وقد يكون ذلك غدا. فاتفقنا مع الفتاة (ر) على التمهيد لها من أجل إعداد (ف) نفسيا للتجربة الجديدة، حتى لا يكون الأمر مباغتا لها عندما يحضرون لأخذها. وأمضينا ليلتنا على ذلك، فكانت المسكينة (ف. ت) تصغي باهتمام الى التفاصيل الجزئية التي عملنا على إقحامها عمدا في قصص ما تعرضنا له من التعذيب، وانتهى الحديث عندما قالت الفتاة (ر) الجملة التالية:

(وهكذا! وكما ترين يا - ف - ها نحن قد تجاوزنا البلاء، ونحن الآن في صحة جيدة. فاللحظات التعيسة تمضي دائما، والمهم في الأمر هو أن نضبظ أعصابنا، وأن نسيطر على أنفسنا). غير أنها لم تدرك يقينا ما تعنيه (ر) بكلماتها هذه إلا بعد أن جاؤوا لأخذها. وغابت عنا لمدة يومين، ثم عادت، وقد شحب وجهها قليلا، وقالت لنا: (قليلا من الكهرباء، تصوروا أنهم أخطؤوا بي، غير أنهم لم يكتشفوا خطأهم إلا بعد أن عذبوني بالكهرباء). وبقيت معنا بعد ذلك لمدة أسبوع، أعيدت بعده إلى معسكر (مصوص). غير أنني لاحظت أنها كانت خلال هذه الفترة: سوداوية المزاج متشائمة، منغلقة على نفسها - انطوائية - تقية ورعة، تسبب لها التعذيب بانهيار عصبي، فكانت لا تتحدث إلا عن الموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>