الإفرنسي، ولم يكن له من العمر إلا عشرين عاما. وقد أصيب ابني البكر في معركة برصاصات اخترقت صدره، استشهد على أثرها، ومضى للقاء ربه. لقد مات شهيدا في سبيل وطنه. وكان يسكن إلى جوارنا ضابط فرنسي برتبة رائد - كومندان س - قتل ابنه أيضا من أجل قضية الاستعمار الإفرنسي. فكان يمر من أمام منزلنا وقد وضع على ذراعه شريطا أسود علامة الحزن والأسى لمصرع ابنه، وكان الألم يعتصره وهو يراني، أنا الأم الثكلى، إذ أذكره (بمشكلته). وكنت أراه والألم يعتصرني أيضا، إذ أرى فيه قاتل ابني. ولعل كل واحد منا كان يردد في سره:
(من يرد لي ولدي الحبيب؟ من يعيد إلي ابني؟! ...).
كانت ذكريات ابني البكر تطوقني باستمرار، وتعذبني. وإنني لأذكر ذلك اليوم الذي أقامت فيه المنظمات النسائية احتفالا تنظيميا
للمرأة الجزائرية في قاعة (ورط الأبيار). وقد أمكن لزوجي الذي كان مستشارا للبلدية، أن يحصل على إجازة - تصريح - من العمدة الفرنسي لعقد الاجتماع في قاعة الموسيقى. وكان علي أن أعزف على المعزف - البيانو - موسيقى أغنية (مين يجيبها لنا). في حين كان على ولدي الاثنين أن يقفا مع رفاقهم بثيابهم الكشفية لحراسة المكان، وكلهم يشعر بالفخر والاعتزاز لاضطلاعه بهذه المهمة. كانوا جميعا يقفون بفتوة الشباب وعزم الرجال، وقد وضعوا حول أعناقهم المناديل الخضراء - فولار - وزينوا رؤوسهم بالعصائب الحمراء - العقال -.لقد كانوا منذ ذلك الحين ثوار المستقبل. وفخر (الأبيار) ومصدر فخري واعتزازي. ترى من يستطيع إعلامي؟ أتراه قد تعذب كثيرا - ابنى الحبيب - قبل استشهاده ووفاته؟ لقد كان شجاعا على ما أعتقده. ترى من يستطيع التخفيف من ألمي؟ ...