للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إني لأذكر (يوم عاشوراء) من سنة ١٩٥٧، ففي ذلك اليوم، تسارعت الأحداث بشكل مذهل؛ إذ قام شباب الحركة الوطنية الجزائرية بخوض معركة مع قوات الاستعمار بالقرب من الفندق. وأصيب ابني الثاني بجرح في رأسه. وقام والده بالتعاون مع أحد الجيران بنقله سرا، في اليوم ذاته، إلى مستوصف يشرف على عيادته الدكتور الحاج، وقام بتقديم التصريح لإجراء العملية وعندما عاد زوجي من عمله بعد نهار حافل بالمتاعب، وهو في حالة من الإعياء الشديد، بوغت بوجود العسكريين الذين كانوا يطوقون المنزل. وعرف على الفور أن السلطات الإفرنسية قد جاءت للبحث عنه، وأنهم يعتقدون بأنه لا بد وأن يكون مختبئا في مكان ما من المنزل، ولم يكن زوجي يخشى من البحث والتفتيش لمعرفته بأن ابنه يرقد الآن في مكان مأمون، غير أنه بات يخشى ما هو أسوأ. المهم في الأمر، استأذن جند الإفرنسيين في دخول المنزل، وسمحنا لهم بممارسة عملهم الذي لا بد لهم من القيام به شئنا أم أبينا، فعملوا قبل كل شيء على تهدئة ثائرة كلابهم المهتاجة التي كانت تقتص الأثر. ثم قاموا بتفتيش المنزل تفتيشا دقيقا شمل كل زاوية فيه. وخرجوا وهم يدمدمون، إذ أصابهم الإحباط لأنهم لم يعثروا على ضالتهم، غير أن ذهابهم لم يصرف عنا الذعر، فقد مضى الليل وأنا أشعر ببرد شديد كادت له عظامي أن تتجمد.

جاءني في اليوم التالي تاجر جزائري معروف جدا في الحي كله. وبعد تحية الصباح طلب إلي الإبقاء على باب مرآب السيارة - الكراج - مفتوحا طوال النهار، وعدم إسدال الستار الحديدي الذي نغلق به عادة المرآب على سيارتنا، وقال لي: بأنه ستنفذ عملية أثناء النهار، وأنهم يحتاجون مرآبنا لإخفاء سيارة المجاهدين الذين سيقومون

<<  <  ج: ص:  >  >>