المال. وشهدت حياة الأم بعض التحسن، فقد بات باستطاعتها امتلاك قطيع صغير من الأغنام وشراء قطعة أرض صغيرة بها بعض أشجار الزيتون. غير أن هذا التحسن لم يصرفها عن متابعة التحريض على أعدائها، وأعداء قومها، الذين هم سبب كل شقاء ينزل بالقبيل، وبالجزائر كلها. لقد حددت بفطرتها، وبمعاناتها، أصدقاء بلدها وأعداءه، ومضت تبشر بالخلاص عندما يتم القضاء على الاستعمار وأذنابه ومرتزقته من أبناء بلدها.
كانت على موعد مع الثورة، وما أن انفجرت شرارتها في الفاتح من نوفمبر - تشرين الثاني - ١٩٥٤، حتى مضت الأم حاملة لشعلتها، مبشرة بانتصارها .......... وفي تلك الفترة من بداية الثورة سيطر الهلع على قلوب النساء والأطفال وهم يرون الخونة وقد أقبلوا بنذالة ووحشية، ليقتصوا من الضعفاء المحرومين من كل وسائل الدفاع. فكانت (الأم) تقف معهم، وتنفخ روح الشجاعة فيهم، وتبعث الإيمان في قلوبهم. وكان لا بد لها من احتمال كل أنواع الأذى بسبب مواقفها الباسلة وعرف المجاهدون فيها شجاعتها العالية، وهمتها النادرة وهي تقترب من عمر الشيخوخة، فكانوا يلجؤون إليها كلما أرادوا القيام بعملية في ناحيتها، وينزلون ضيوفا عليها، فتكرم وفادتهم، وتؤمن لهم احتياجاتهم، وتنفذ لهم كل ما يطلبون بإخلاص وإنكار للذات لا حدود لهما، ليس ذلك فحسب، بل كثيرا ما كانت تثير فيهم الحماسة وهي تنشدهم الأزجال باللغة القبائلية، تتغنى فيها ببطولات جيش التحرير الوطني، ومجاهديه الغر الميامين. كانت تفعل ذلك كله ببساطتها الريفية، حتى إذا ما حاول أحدهم امتداح صنيعها، أسكتته بسرعة وقالت إنها لن تكون جديرة بالمدح إلا إذا التحق ابنها في صفوف المجاهدين. وكان