للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هناك هاجسا يناديها باستمرار من أعماق نفسها، بأن تستدعي ولدها للالتحاق بالثورة. واستجابت لنداء ضميرها، فكتبت رسالة الى ولدها الوحيد، تحرضه على العودة، وتؤكد له أن الموت في سبيل الوطن هو الحياة الخالدة التي لا نهاية لها. وأن الإحجام عن هذا الواجب المقدس هو خيانة لا تعادلها خيانة وأنها - هي - لا تشعر بأنها أدت واجبها في الحياة، إلا إذا أمكن لها أن تضحي بنفسها وبولدها، أعز من في الدنيا عليها، من أجل الله والوطن.

...

وتصل الرسالة إلى (العامل محمد) فسرعان ما يتأثر بمضمونها ويستجيب لدعوتها، لقد كان في الحقيقة يعاني صراعا بين البقاء في فرنسا من أجل إعانة والدته، وبين العودة للعمل في ميادين الجهاد. فجاءت الرسالة لتحسم الصراع، ولتنهي المعاناة، وما هي إلا أيام حتى يكون (العامل محمد) قد وصل الى قريته، واستقر الى جوار والدته وكان في نيته أن يمضي أياما قليلة إلى جانبها، يعوض بها بعض ما انتابه من الشوق إليها، بعد غيابه الطويل عنها. ولكن، وفي اليوم الرابع لوصوله، جلست إليه. تحفزه على المضي لما جاء من أجله، وتزوده بنصائحها وتوجيهاتها. ويقف الابن، وتقف الأم تودعه، وتبتهل الله له النصر، وتواعده على لقاء، إما في البيت وقد تحرر الوطن، وإما في الجنة، وقد رضي الله عنه وعنها.

أصبحت قصة (العامل محمد) وأمه، أغنية حلوة على لسان أهل القرية، يرددونها باعتزاز فتثير حماسة الجميع، الرجال والنساء، الشيوخ والأطفال. ويلتقط أحد الخونة أطراف القصة، وينقلها - بأمانة وصدق - للسلطات الإفرنسية، وتحركت هذه على الفور، فأرسلت فرقة من الجند وقد شحن أفرادها حقدا أسودا

<<  <  ج: ص:  >  >>