لسان سادته:(إنني أعلم ما تنطوي عليه نفوسكم أيها الخونة من الشر، لقد أسرعتم إلي بنبأ استشهاده، وكان حريا بكم أن تسرعوا إلي بنبأ وصوله من فرنسا يوم عودته. ولكن أنى لكم ذلك، وقد ماتت نخوتكم، وفسدت فطرتكم. رحم الله ولدي محمد، فقد صعدت روحه إلى بارئها طاهرة مطهرة). وشعرت بالحاجة إلى البكاء، غير أنها تجلدت حتى لا تظهر تضعضعها أمام الخطب، فدخك بيتها، وأوصدت الباب دونها، واختلت مع حزنها، وفي الوقت ذاته، مضى الخائن وقد ضاق صدره لما سمع، لقد وقفت امرأة ثكلى لتلقنه درسا لا ينسى في الوطنية.
جاء الجنود الافرنسيون في ساعة مبكرة من الغد، وهم يحملون جثة الشهيد التي مزقها الرصاص - وعفرها تراب المعركة، وطرحوها في ساحة القرية، حيث احتشد خلق كثير من الرجال والنساء، بأمر السلطة. وأقبلت الأم، حتى إذا ما وقع نظرها على جثة وحيدها وهو على مثل تلك الصورة التي تمزق أقسى القلوب، أجهشت بالبكاء، ثم عادت، بسرعة، وأظهرت تجلدها، وتقدمت إلى ابنها الشهيد تنعيه بصوت تخنقه العبرات:(في سبيل الله والوطن مت أيها العزيز، ومثلك حي خالد أبدا، ومثلي جديرة أن تفخر باستشهادك). ثم تراجعت قليلا، وتقدم إليها الخائن مترجما لما يقوله الضابط الإفرنسي (يظهر أنك نسيت إلحاحك عليه وهو بباريس حتى يلتحق بالعصاة - الفلاقة - في الجبال، ويجب أن تكون فلاقة شجاعة، وصبرا أليس كذلك ايتها المغرورة؟).
سمعت ذلك وقالت:(انظر، أتظن أنني أبكي استشهاده؟ كلا، إنما أبكي لأنني لا أملك غيره، يخلفه فى الجهاد، ويؤتى به يوما كما أتي بأخيه هذا!).