في الأيام التالية، في مقهى الأوتوماتيك، وعند ساحات الرياضة المزدحمة بالنظارة - المتفرجين - أدت إلى مقتل أكثر من عشرين شخصا، وجرح عدد كبير، جراح بعضهم خطرة، وقد عهد بحراسة الأمن بالجزائر في تلك الأيام إلى المظليين التابعين للجنرال (ماسو) وهؤلاء ليسوا جنودا نظاميين ولكنهم من الشباب الصغار الذين أخذوا ليؤدوا خدمتهم. وقد ضرب المظليون بضراوة، وبوحشية، غير أنهم لم يتمكنوا من قمع ثورة المجاهدين، سواء في مدن الجزائر الكبيرة، أو في القواعد المحررة في السهول والجبال. وفي صباح ٩ نيسان - ابريل - ١٩٥٧ اصطدمت دورية حربية أثناء ساعات منع التجول بثلاثة أشخاص مقنعين - ملثمين - في حي (القصبة) داخل المدينة القديمة من الجزائر العاصمة. فهرب هؤلاء الثلاثة ولكن بعد أن أطلقت الدورية عليهم نيرانها. وارتفعت صرخة، وبقيت امرأة منطرحة على الأرض، وكانت هذه هي (جميلة بوحيرد) وقد عثر معها على وثائق ورسائل وعلى مبلغ كبير من المال، دلت جميعها على أن هذه الفتاة كانت تعمل أمينة سر (سكرتيرة) لقائد فدائيي مدينة الجزائر (ياسف سعدي). وكانت تعمل مراسلة أيضا لنقل رسائله وتعليماته وأوامره ولم تسلم الأسيرة إلى الشرطة، ولكنها اقتيدت - بصورة خاصة - إلى مركز تحقيق المظليين، وذلك بحجة أن دوريتهم عثرت في صباح ذلك اليوم ذاته على فرنسي كان يلفظ أنفاسه، وقد قيد - ربط - إلى شجرة، وأفاد أن عائلته كلها قد قتلت على أيدي الثوار، بعد أن أحرقوا بيته ومزرعته. أما ما حدث (لجميلة بوحيرد) بعدئذ فيصعب وصفه، إذ ظلت رغم جراحها النازفة، تحت التعذيب الوحشي أياما عديدة. ويكفي هنا الإشارة إلى التقرير الطبي الذي كتبته السيدة (جانين بلخوجة) الدكتورة في الطب من جامعة الجزائر، حول ما شاهدته على جسم (جميلة