للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خافية على مراقبة الحكم الإسباني، فأصدر الملك (هنري الثالث) ملك إسبانيا أمرا يوم ٢٢ أيلول (ستمبر) ١٦٠٩م بإبعاد كل موريسكي - مغربي مسلم - من أرض إسبانيا، وأعطاهم لذلك أجلا لا يتعدى ثلاثة أيام كي يتجمعوا في الموانىء المعينة لهم من أجل ركوب البحر وهكذا خرج من إسبانيا آخر فوج من بقايا مسلميها الذين اعتنقوا النصرانية مرغمين، وكانت أغلبيتهم العظمى من العرب المسلمين، وقامت سفن الأسطول الجزائري فنقلت معظهم إلى عاصمة الجزائر، فمنهم من توجه بعد ذلك إلى تونس أو تطوان (تيطوان) ومنهم من أقام في سهل متيجة (متوجة) بالقرب من الجزائر.

ترى هل كان من الأفضل استكانة هؤلاء (الموريسك) وعدم القيام بالثورات المتتاية الأمر الذي أدى إلى إخراجهم من الأندلس؟

قد يكون من المحال محاكمة ذلك الحدث التاريخي بأي مقياس من المقاييس التي تخرج عن الحدود المكانية والزمانية التي أحاطت بالحدث، غير أن مجموعة الشواهد التاريخية المتوافرة تؤكد أنه لم يكن أمام مسلمي الأندلس خيار (غير الثورة) مهما كانت نتائجها، إذ أنها لن تبلغ في أسوأ تلك النتائج مقدار ما كان يجابهه هؤلاء المسلمون من سوء المعاملة. ومن المحتمل القول أنها كانت (ثورة يأس) غير أنها لم تكن كذلك فعلا، إذ كان تصميم الثوار كبيرا، وإيمانهم بالنصر عظيما - بدلالة بقاء ثورة البشرات مدة سنتين كاملتين - وبالإضافة إلى ذلك، فإن هدف الثورة لم يكن من أجل منازعة الإسبانيين خلال تلك الفترة ملكهم، وإنما كان الحصول على كيان ذاتي يضمن لهم ما سبق أن تم الاتفاق عليه يوم استسلام ملك غرناطة للملك فرديناند، من شروط تضمن للمسلمين (حريتهم). وهكذا كان التعصب الصليبي مرة أخرى هو الحافز للتعصب الإسلامي الذي أوقد نار الثورة وأدى إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>