إن حالة الأرق، وهي الأليفة الوفية لي، تهيب بي أن أكاتبك، وأن أقول لك أنني انشرحت لقراءة رسالتك.
وإنه ليبهجني أن قد حظيت بلقيا ذويك (وخاصة والدتك) بعد طول البعاد. ويقيني أن عودتك هذه إلى أحضان الأسرة ستروح عنك، مهما كان من الصدمات الحاصلة بموجبها.
وقد أشرت إلى مدى الهوة بينك وبين أسرتك، وهو أمر لا محيد عنه، فإنك لتعلمين حق العلم انتسابك إلى ذلك الجيل الانتقالي الذي كثيرا ما فرض عليه الصمود في واجهتين .. ولعمري إن النزاع لمعقد كل التعقيد: ذلك أن جيل والدك قد اضطلع بكفاح جدير بإعجابنا للحفاظ على شخصيتنا القومية، وهو الكفاح الذي ما كان يتسنى بدونه تصور اندلاع الثورة، ولا إبرازها إلى الوجود. وباعتبار الظروف التاريخية السائدة آنذاك، اتخذ الكفاح في جوهره شكلا دفاعيا. وأمعن فوق ما يجب في تقديس ما هو في حد ذاته شيء رمزي، أي شكلي صرف. وإن أبناء ذاك الجيل لمصيبون في تنبيههم الشبان إلى الأخطار المهددة لهم من جراء مسخ الشخصية وطمس معالمها. على أنهم يعمدون إلى ذلك في غير ما لباقة، ولربما في أسلوب شرس. ولا غرو، فإن موقفهم ذلك لينم في الوقت نفسه عن حنقهم وغيظهم لعدم المساهمة في (حركة التحرير). وعن شبه الشعور بالخيبة والإفلاس: فهم يدركون ما كان من عجزهم عن تلقين