عدد المنتظرين قد زاد كثيرا عما كان عليه في العهود السابقة. كان مشهد الأرامل، والأمهات الثكالى، والأطفال الأيتام، وحاملي النعوش وباقات الورود، كانوا كلهم ينتظرون جثث الضحايا الذين قتلتهم سياسة (ديغول) فوق أرض الجزائر، في سبيل قضية ليست هي قضية الشعب الفرنسي، وإنما هي قضية المائتي عائلة التي استوطنت في الجزائر واستثمرتها. وهكذا مضت سياسة ديغول: إبادة للمسلمين في الجزائر، ومأتم مقابل في فرنسا، وكل الصور التي شهدها الشعب الفرنسي في عهود (غي موليه) و (مونوري) و (غايار) عاد مرة أخرى ليشهدها في عهد (ديغول) ولكن على نطاق أوسع وعلى شكل أضخم.
وبصرف النظر عن كل شيء، فقد كان الحال في عهد (غي موليه) وخلفه، أحسن مما أصبح عليه الحال في عهد (ديغول) من وجهة نظر الفرنسي على الأقل. فقد كان هذا الشعب المنكوب بعقلية الاستعمار، والمصاب بعقدة (العظمة) يستطيع في الأيام الخوالي أن يعبر عن أزمته، وأن يفرج عن كربته بالمظاهرات والاضطرابات والاحتجاجات، وكان يجد عزاءه في صخب النواب بالجمعية الوطنية، وفي ضجيح الأقلام على أوراق الصحافة، كما كان يجد سلواه في إسقاط حكومة ورفع غيرها مع ما يرافق ذلك من أمل في الوصول الى حل منشود، ولكن في عهد (ديغول) لا عزاء، ولا سلوى، ولا أمل ...
لقد وضع الرئيس ديغول الشعب الفرنسي في سجن كبير حتى يصبح عاجزا عن مقاومة مخططاته ومشاريعه، وذلك عن طريق مجموعة من القوانين التي أصدرها لمجابهة الموقف المتدهور يوما بعد يوم. وكان من أول القوانين، وأكثرها خطورة (قانون الدفاع