كانت الجزائر خلال تلك السنة (١٩٥٤) تعيش أزمة اقتصادية خانقة، حتى بات الشعب على حافة المجاعة، وكان الاتصال اليومي والمستمر بين مسلمي الجزائر، وبين الطبقات الثرية من المستوطنين - أصحاب الامتيازات - تزيد من شعور الغضب لدى جماهير المسلمين، وتذكرها بأسباب بؤسها وشقائها، وتثير فيها كل مساوىء التمييز العرقي - العنصري -، وجاءت الهزة الأرضية في (الأصنام - أو أورليانز فيل كما كان يسميها الفرنسيون) في صيف سنة ١٩٥٤، لتبرز بشكل مثير أسوأ مظاهر التمييز العنصري، وبات الشعب الجزائري كله، من فلاحية إلى عماله وتجاره، ومن فقرائه إلى أثريائه، وهو على استعداد للقيام بأي عمل للتعبير عن غضبه الذي تجاوز حدود القدرة على الاحتمال.
كان الزعماء في الميدان الدولي يتابعون مراقبة الأوضاع بدقة، وأخذ الشعب يسمع بأخبار الشعوب الجديدة التي استقلت حديثا، وظهرت الى عالم الوجود بعد الحرب العالمية الثانية، على الرغم من التفاوت بينها وبين القوى التي واجهتها، وأثبتت أحداث تونس (في العام ١٩٥٢) أن القوة، حتى ولو مارستها بضع مئات من مجاهدي الجبال، قد تؤدي الى نتائج عظيمة.
والى الغرب، في مراكش أو المغرب، تابع المجاهدون استخدام العنف للتعبير عن غضبهم ضد الاستعمار الفرنسي الذي أبعد مليكهم (مولاي السلطان محمد الخامس) ونفيه من البلاد، وظهر ان الوطن العربي كله يتأجج في حالة ثورة واشتعال، وهكذا لم يعد توجيه هذه التيارات الجزائرية العميقة باتجاه الثورة في حاجة الى أي شيء آخر غير القادة والأسلحة. وكان رد فعل