الغوري سنة (١٥١٧ م). وقد انصرف المسلمون في المشرق خلال هذه الفترة إلى تضميد جراحهم، ومتابعة الصراع ضد المغول (التتار) أحيانا وضد الروم (البيزنطيين) في الشمال أحيانا أخرى. وتميزت هذه الفترة بصورة عامة بالهدوء والاستقرار، فانصرف الناس للصناعة والتجارة، وعرف المشرق الإسلامي حالة من الرخاء لم يعهدها منذ زمن طويل.
غير أن توقف الحروب الصليبية في المشرق لم يضع حدا نهائيا للحروب. فقد تحول الصراع إلى جبهتين أولاهما (أوروبا) والثانية (الأندلس) بالإضافة إلى جبهة وسيطة بين الجبهتين هي جبهة البحر. وقد ظهرت خلال هذه المرحلة قوة جديدة أخذت على عاتقها قيادة (الجهاد في سبيل الله) وكانت هذه القوة هي قوة (الأتراك العثمانيين).
وكان العرب المسلمون قد نظموا الدفاع عن الثغور منذ الأيام الأولى للفتح. فأقاموا الحاميات في المواقع الحصينة على امتداد حدودهم مع بلاد الروم البيزنطيين، وكانت هذه الثغور مواقع دفاعية هجومية في آن واحد، واجبها رد الغزوات المباغتة للأعداء، والإنطلاق منها لغزو بلاد هؤلاء الأعداء.
واستمر هذا التنظيم القتالي طوال العهدين الأموي والعباسي. وعندما أقام عبد الرحمن الداخل الحكم الأموي في الأندلس، أعاد تطبيق التجارب القتالية. وكانت طبيعة الحدود الجبلية مع الروم البيزنطيين (حيث جبال الأمانوس) تتشابه مع الحدود الجبلية الشمالية للأندلس (حيث جبال البيرينه - أو جبال البرتات كما يسميها المؤرخون العرب). فكانت تجرية الثغور هي التجربة الرائدة التي حفظت للعرب المسلمين حدودهم وثغورهم.