وكانت هذه الثغور هي الميادين المثلى للجهاد في سبيل الله، وهي في الوقت ذاته مجال التجاربة لتطوير الكفاءة القتالية وإغناء التجارب الحربية. غير أن ظروف الحروبة الصليبية قضت على (استراتيجية حروب الثغور) إذ انتقل الصراع إلى قلب العالم العربي الإسلامي.
ولكن ما أن طردت جحافل الغزاة الافرنج، حتى بعثت قيم الجهاد في سبيل الله من جديد، ونزل في بلاد الأناضول عدد كبير من المجاهدين ورجال الدين - من العرب والترك والفرس - أخذوا على عاتقهم إثارة الحماسة ضد الروم (البيزنطيين). وبتأثير تلك الحماسة الدافقة، اجتاح الأتراك غربي آسيا الصغرى، وأقام أمراء الغزاة دويلاتهم المستقلة في مختلف المقاطعات، فنزل القرمانيون في ليقاؤنية القديمة وايسوريا، ونزل الكرمانيون في كوتاهية، واستقر الحميديون في ميسية، والصاروخان في مغنيسية. ولم يقض على هذه الإمارات نهائيا إلا عند ظهور العثمانيين. وبينما كان هؤلاء الغزاة يتقدمون برا كانت قبيلة (المنتشا) التي نشأت نشأة بحرية فشكلت أقوى الإمارات وأعظمها شأنا، كانت هذه القبيلة تنطلق من سواحل ليقية وبمفيلية إلى قاريا، لتجتاح منها شواطىء بحر ايحه. ثم تفتح رودس، مهددة بذلك روما وامبراطوريتها.
وكان العثمانيون من بين أولئك الأتراك الذين حملوا راية الجهاد في سبيل الله ضد (البيزنطيين) وحالفهم الحظ أكثر من سواهم، ولا يعني البحث هنا التعرض لأصول هذه القبيلة ومراحل تطورها، وما عانته من صداماتها مع المغول (التتار). الهم في الأمر هو أن المؤسس الحقيقي لهذه الأسرة وهو (أرطغرل) قد لجأ ومعه مائة أسرة إلى آسيا