للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقتحامه، فانسحبوا ومعهم قتلاهم وجرحاهم. ثم استؤنفت المعركة بقوة وشدة. وكانت القنابل والرصاص تسقط بكثافة عالية، وتحصن المسلمون وراء بطارياتهم وفوق كثبان الرمل المحيطة بالمعسكر الصليبي. وكانت قذائف المسلمين ورصاص بنادقهم يصيب جند الأعداء وهم في داخل معسكرهم، فكانوا لا يستطيعون الخروج منه أبدا. وكلما سقط منهم رجل أخذوه فورا إلى القوارب التي تنقله للأسطول، فربطوا رجله إلى قذيفة وألقو به إلى البحر حتى لا تطفو جثته فوق الماء، وكانوا أحيانا يجمعون الخمسة والستة من الجثث ويربطونها إلى قذائف ثم يلقون بها إلى البحر. وهكذا يفعلون بموتاهم داخل معسكرهم. لكن هذه الأعمال لم تكن حاسمة. ولم يجد المسلمون حيلة لاقتحام مركز العدو الإسباني نظرا للعدد الضخم من القنابل الذي كان يتساقط حول المعسكر لحمايته. واقترح باي قسنطينة القيام بهجوم شامل، على أن تتقدمه الجمال كستارة وقائية، وجمعت الإبل من كل ناحية بسرعة ودفعت نحو معسكر الإسبانيين تبعها عن قرب المجاهدون وعلى رأسهم القادة والولاة ودارت معركة طاحنة تحول لها النهار إلى ليل لكثرة دخان البارود والغبار المتصاعد، ولم تسفر المعركة عن نصر حاسم، فتراجع المسلمون من جديد، وأخذوا في الاستعداد للقيام بهجوم ليلي.

وكان المعسكر الصليبي محددا جدا، وضيقا، وفيه تكدست جماعات الجند وكميات السلاح والذخائر، وأقام فيه الإسبانيون ستين نقطة محصنة، غير أن التحرك بين هذه النقاط كان صعبا جدا بسبب ضيق المعسكر، ولهذا كان من المحال القيام بأي مناورة للقوات. وكانت ميمنة هذا المعسكر على وشك الانهيار تحت هجوم المسلمين لولا تدخل السفن الإسبانية، وتوجيه نيران غزيرة عطلت تقدم المجاهدين

<<  <  ج: ص:  >  >>