حياة عبد القادر وسيرته الشخصية انعكاسا لصورة عصره. وقد أدرك هو هذه الحقيقة وعبر عنها بقوله:(إنني لم أصنع الأحداث، بل هي التي صنعتني، إن الإنسان مثل المرآة، والمرآة لا تعكس الصور الحققية إلا إذا كانت واضحة وصافية) غير أن الأخذ بهذه المقولة - حتى لو جاءت على لسان الأمير ذاته - يحتمل تفسيرا سلبيا، وهذا التفسير يناقض الواقع. فالأمير لم يكن مجرد - مرآة - سلبية تعكس أحداث بلاده وأحداث العالم، وإنما كان يمارس دورا إيجابيا في (تصنيع الأحداث) وتشكيلها. ومن هنا، فقد كان الأمير عبد القادر في حياته العامة فاعلا ومنفعلا، مؤثرا ومتأثرا، وعبر هذا التفاعل الدائم والمستمر ظهر الأمير عبد القادر، لا ليطفح فوق سطح الأحداث، وإنما ليسير مع أعمق تياراتها في محاولة منه لتحقيق الهدف الثابت (رفع راية الإسلام والمسلمين) والدفاع عن (قضية الإسلام والمسلمين) تجاه أشرس حملة صليبية عرفها التاريخ في القديم والحديث.
والأمير عبد القادر، قبل ذلك وبعده، إنسان مسلم، لا تأخذه الأهواء، ولا تحركه ردود الفعل، وإنما ينطلق في كل ممارساته من قاعدته الصلبة، قاعدة الإيمان بالله، وبما أنزله على رسوله (ص). وقد كان هذا الإيمان هو زاده في رحلته الشاقة، وهو عونه فيما جابهه من صعوبات وأزمات تعجز عن حمل أعبائها همم الرجال، وتقصر عنها عزائم الأبطال.
لم يكن الأمير عبد القادر في الحالات كلها، ممثلا لجهاد شعب الجزائر، ولو أنه قاد الجهاد المرير والشاق فوق أرض الجزائر. فقد عرف الأمير عبد القادر بصدق إحساسه وصفاء نفسه أن (حرب الجزائر) لم تكن أبدا بمعزل عن الحرب الشاملة التي تخوصها الأمة