وأخدت مواهب عبد القادر في التفتح مبكرا، فها هو قد أتقن القراءة والكتابة ولما يتجاوز الخامسة من عمره، وتمكن من قراءة القرآن وأصول الشريعة والحديث وهو في الثانية عشرة من العمر، وأصبح من حفظة القرآن وهو في الرابعة عشرة حيث أرسله والده إلى وهران للدراسة في مدرسة يسيرها (سيدي أحمد خوجمة) غير أن عبد القادر نفر من أسلوب الدراسة بقدر نفوره من حياة وهران فلم يستقر أكثر من سنة ليعود بعدها إلى (قيطنة) حيث كلف (سيدي احمد بن الطاهر قاضي آرزو) بتدريسه واطلاعه على العلوم الحديثة: علم الفلك والحساب والجغرافيا بالإضافة إلى اطلاعه على الشؤون الأوروبية. ولم يجد بعد ذلك ما هو أفضل من الانضمام إلى جماعة رجال الدين وطلاب المعرفة ممن كانوا يلتفون حول والده - محيي الدين - لدراسة العلوم القرآنية. حيث كانت تعطى - مجانا - دروس في الآداب والحقوق والتوحيد. ورافق هذا النضح الفكري نضج جسدي مبكر أيضا، فما كاد يبلغ السابعة عشرة من عمره، حتى اكتملت بنيته المتناسقة (فبلغ طوله خمسة أقدام وخمسة بوصات) وأصبح له صدر عريض ومنكبين قويين، في جسد لا يعرف التعب أو النصب، قادرا على احتمال أشد الصعاب. وبرز في مجال الفروسية، فكان فارسا مهيبا لا يدانيه أحد أو ينافسه، ولم يعد (يجاف من ظله) بعد أن أكد تفوقه المدهش في كل متطلبات الفروسية التي تحتاج العين الثابتة واليد القوية والرجولة الحقة. وها هو يصبح حديث الناس: إنه يلمس كتف فرسه بصدره، ويضع إحدى يديه على ظهر الفرس، ثم يقفز إلى الجانب الآخر، أو أنه يدفع الفرس إلى أكبر سرعة ممكنة، ثم ينزع قدميه من الركاب، ويقف على السرج ويطلق النار على هدفه بدقة عجيبة، وبلمسته الخفيفة الماهرة يثني الفرس العربي المدرب ركبتيه،