أو يمشي مسافات على قائمتيه الخلفيتين بينما تضرب قائمتاه الأماميتان في الهواء. أو يلوح ويقفز بهما كالغزال. أما في ميدان السباق فكان يركب جوادا فاحم السواد يتضاد في لونه مع بياض برنسه، ثم يتقدم إلى الحلبة ببرود ظاهر وضبط كامل للنفس، لينطلق فيسبق منافسيه بمسافات كبيرة تجعله يصل إلى الهدف وحده، وسط هتافات الإعجاب وزغاريد مئات النساء. وكان كساؤه بسيطا غاية البساطة، وليس سوى سلاحه يظهر الزينة. فقد كانت بندقيته التونسية الطويلة مرصعة بالفضة. أما مسدسه فقد كان مرصعا بالجواهر. وكان سيفه الدمشقي مغمدا في غمد من الفضة. وكانت متعته في ممارسة هوايته المفضلة (الصيد). وأتقن صيد الباز والغزال والنعامة والخنزير البري والنمر. ولم يكن في رحلة الصيد يميل إلى تلك التظاهرات الفخمة التي كان يتعمدها (الأجواد) فكان يكتفى بمرافقة خادمين أو ثلاثة ويتوغل في أعماق الغابة بحثا عن صيده المفضل (الخنزير البري) حتى إذا ما حقق هدفه، عاد من رحلته الرياضية ليعزل نفسه للدراسة بحيوية متجددة، وللتفرغ للعبادة. واشتهر بقدرته (على النوم خلال أسابيع والتعرض للصدام، وندرة أغماد سيفه - فكان عرشه قائما على سرج جواده) ولم يكن ذلك إلا نتيجة لتلك المواهب الفطرية التي صقلتها المكتسبات الفكرية والجسدية.
وتزوج عبد القادر وهو لا يزال يافعا، التزاما بالحديث الشريف (من استطاع منكم الباءة فليتزح فإنه أحصن للفرج) وكانت زوجته (لالة خيرة) بنت عمه سيدي على بوطالب. وكان على هذه الزوجة الفاصلة أن تحتمل مع زوجها مشاق الرحلة الطويلة - رحلة العمر في الجهاد.
بلغ محيي الدين والد عبد القادر الخمسين من عمره، فأراد أداء