للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودخل القليل كان يكفي لحاجات أسرتي. بل حتى الفائض القليل الذي ترك لي كنت أصرفه في مساعدة الفقراء والمسافرين، وبالأخص المحتاجين من أصحابي في السلاح الذين كانوا قد جرحوا أثناء الجهاد.

وبذلك كان في استطاعني باستمرار أن أنادي العرب للتضحيات الكبيرة، لأنني أريتهم أن الزكاة والعشور والغرامات والمساعدات، وكل مواردي في الحقيقة، كانت مخصصة لخدمة الصالح العام فقط. وعندما اضطررت لدعوة العرب من أجل تقديم قرض كبير، كانت استجابتهم بطيئة فبعت فورا كل مجوهرات عائلتي بالمزاد العلني في أسواق معسكر، وأعلنت على الملأ أن ثمنها سيرسل إلى الخزانة العامة، فجاء القرض حينئد بسرعة، حتى ظهرت مشكلة من يدفع أولا). لقد كان على (الأمير عبد القادر) الاهتام بكل المتطلبات، صغيرها وكبيرها، ومن ذلك أنه عين لدى حكومة كل خليفة من خلفائه خياطين وصانعي الدروع والسروج لكي يصنعوا ملابس الجنود ويصلحوا أسلحتهم ويحافظوا على عدة خيولهم. كما وزع مثل هؤلاء على القبائل حتى يكون رجالها على استعداد دائم للحرب، وحتى يمكن لهم الاستجابة لنداء القتال فورا.

ولم يكن باستطاعة الأمير عبد القادر إنجاز مخططاته وتحقيق أهدافه لو لم يسهر بنفسه على تنفيذها بهمة لا تعرف الكلل، وكان دائم الحركة يفتش جنوده، ويزور مخازنه الحربية، ويتفقد مدارسه، ويدير القضاء. تدفعه إلى ذلك غيرة متقدة لتحقيق مهمته العظيمة على أكمل وجه ولهذا فهو لم يضع ساعة واحدة من ليل أو نهار بدون أن يصرفها في التخطيط والترتيب وتنفيذ مشاريع جديدة للتقدم والإصلاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>