الأمير. وكذلك الذين شعروا بأن الحرب توفر لهم المناخ الملائم للكسب والمساومة غير أن شيوخ المرابطين تصدوا للموقف وعالجوه بطريقة حكيمة تعتمد على التمييز بين السلام والاستسلام، بين سلام مقبول وسلام مطلوب وقالوا لهم بأن القرآن الكريم لم يقر أبدا إهدار الدم بدون جدوى، بعد أن استسلم الكفار، ونادوا بوضع السيف في غمده، إن الإفرنسيين قد استسلموا وطلبوا الصلح. وأن السلطان قد أملى شروطه عليهم. وتغلب هذا المنطق على المعارضة. وتم التوقيع على المعاهدة (التي عرفت بمعاهدة تافنة حيث تم تبادل الوثائق)(١). وما أن عاد (بيجو إلى الجزائر، حتى أصبح حر اليدين لتطوير العمل العسكري فزج قواته كلها ضد (أحمد باي قسنطينة) وأمكن له تحقيق انتصار حاسم ضده، ودخلت القوات الإفرنسية مدينة (قسنطينة).
أصبح باستطاعة الأمير عبد القادر التفرغ لبناء الدولة، وإعادة تنظيمها، وزيادة قدرتها، وهو يدرك تماما أنه لا بد وأن يتجدد الصراع ضد قوى الاستعمار الإفرنسي. واصطدمت عملية إعادة التنظيم الشامل بمجموعة من العقبات، لم يكن أقلها امتناع قبائل كثيرة عن دفع الضرائب، بحجة عدم الحاجة لمثل هذه الضرائب طالما أن الحرب قد توقفت. فاضطر في البداية لإخضاع تمرد المتحالفين من بني مختار وبني نائل وبني موسى وبني عبيد والزناخرة الذين كان يترأسهم محمد ابن عودة زعيم أولاد المختار (قرب فصر البخاري). وجهز من أجل ذلك جيشا يضم (١٢) ألف فارس (وألفي) راجل مع بعض المدافع. وأمكن له الانتصار على قوات التمرد. ثم قرر الانتقال بقواته إلى منطقة الأغواط (جنوبي الصحراء العظمى والواقعة على بعد مائتي ميل
(١) أنظر قراءات (٢) في نهاية هذا الكتاب حيث نصوص هذه المعاهدة.