فقد وعد سلطان المغرب (عبد الرحمن) بوضع سيفه وعقله تحت تصرف من يوليه السلطان أمر الجهاد ضد أعداء الدين. وكان يدرك يقينا أن ما هو مقبل من الأحداث سيكون أكثر خطرا مما مضى، وهذا ما يتطلب حشد كل القوى. ومن أجل ذلك كان لا بد له من الاعتماد على جناحين قويين في المغرب وتونس، وعلى دعم من كل العالم الإسلامي فكتب إلى السلطان العثماني رسائل عديدة، غير أن إبراهيم باشا - شغل الخلافة العثمانية بأمورها - وجاء تدخل روسيا في الشمال ليصرف دار الخلافة عن كل أمر يتجاوز حدود الخطر المباشر الذي بات يدق أبواب عاصمتها. ولم يبق على الأمير إلا زيادة الاعتماد على قدراته الذاتية، فالتفت إلى البلاد ينظمها وإلى القوى يحشدها. ولم تمض فترة حتى تأكدت مشاعر الأمير، وأصبح الظن يقينا. فقد أخذ الإفرنسيون في البحث عن الثغرات لنقض معاهدة (تافنة) من أجل تطوير استعمارهم للجزائر، لا سيما بعد أن زالت معظم المقاومات، ولم يبق فوق أرض الجزائر سوى قوة وحيدة متماسكة هي قوة الأمير عبد القادر. وقد تذرعت فرنسا بتفسيرها الخاص لنصوص البند الثاني من معاهدة (تافنة). فاعتبرت أن فقرة (تملك فرنسا في إقليم الجزائر، مدينة الجزائر والساحل متيجة ممتدا نحو الشرق إلى وادي القدرة وما وراءه) في حين كان النص العربي يتضمن كلمة (فوقه) مما يخضع للأمير عبد القادر. وكان هذا الهامش الجغرافي هو البداية لتجدد الصراع.