لقد كان هذا الخط السياسي مرتبطا باتفاق أباطرة روسيا والنمسا وبروسيا بعد اجتماعهم في ميونيخ من ٩ - ١٩ أيلول - ستمبر - ١٨٣٣ واتفاقهم على وضع أسس (الحلف المقدس)(١) المعقود سنة ١٨١٥ موضع التنفيذ.
كان مهندس السياسة الأوروبية (مترنيخ) قد استدعى سفيره في القاهرة يوم ١٥ أيلول - سبتمبر - للاطلاع منه على مهمته المكلف بها وهي:(تقديم مذكرة عن القوات العسكرية المصرية الراهنة ومقارنتها بقوات الباب العالي). وقد خولته معلوماته المستقاة من مصادر موثوقة، وخبرته المباشرة، أن يمثل دورا مهما في تلك الظروف، خاصة وأن مترنيخ كان يرتاح إلى استلهام أرائه، الأمر الذي جعله يتبوأ مركزا قويا واضحا حتى في نظر الإمبراطور. وقد استمع يوما، وهو على مائدة الغداء، إلى المبعوث الروسي وهو يتحدث عن نهاية الإمبراطورية العثمانية الوشيكة، وهو رأي كان سائدا آنذاك في وسط البلاط الروسي. هذا وكرر له الإمبراطور بعد ذلك - في حديث خاص - الآراء نفسها، عن الإمبراطورية المحتضرة.
أما ما كان يشغل الإمبراطور الروسيا بشكل خاص (نقولا الأول) فهو محمد علي الذي كان يعتبره الإمبراطور رجلا موهوبا جدا، لكنه طموح ولا يحلم إلا بتقويض الأسرة الملكية العثمانية الحاكمة واحتلال مركزها. غير أن السفير النمساوي في القاهرة أوضح للإمبراطور أن محمد علي لا يطمح مطلقا في الاستيلاء على آسيا الصغرى، وأنه لن يتخطى جبال طوروس إذا ما أعطي وعد شرف بأن تضمن له فتوحاته الحالية. وبدا أن نقولا الأول، أخذ بهذا التحليل الجديد للوضع).