للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدىء بإنشائه فعليا سنة ١٨٥١. ومهما يكن من شيء فالحق أن مسألة المواصلات هذه، التي انتهت فيما بعد إلى أن تكون ذات أهمية عظمى بالنسبة إلى العالم كله، لم تكن هي التي قررت مصير الشرق في السنوات التالية. وإنما الذي قرر مصيره مسألة أخرى كان الباب العالي يعتبرها تافهة، ولكنها قدمت إلى الدول الأوروبية ذريعة لفرض سيطرتها على الشرق، ألا وهي مسألة الأماكن المقدسة الشهيرة.

كان الفرنج منذ أيام الحروب الصليبية القديمة يتخذون من قضية الأماكن المقدسة في فلسطين حجة للتدخل بشؤون المشرق الإسلامي، كلما أنسوا من أنفسهم قوة ومن العالم الإسلامي ضعفا، وذلك بزعمهم ان لمنطقة القدس وما يحيط بها مكانة دينية خاصة لهم، لما تحفل به من ذكريات عن حياة يسوع. وقد استقرت في هذه المنطقة جمع يمثل ست طوائف نصرانية هي: اللاتين - أتباع الكنيسة الرومانية - والروم الأرثوذكس، والأرمن والسريان والأقباط والأحباش وكانت الكنائس الثلاث الأخيرة قد دخلت بسبب من ضعفها تحت حماية الأرمن الذين لم يكن للباب العالي غنى عنهم، بسبب إخلاصهم للدولة، وبسبب دورهم الاقتصادي في العالم الإسلامي. ومهما كان عليه الأمر، فقد بقيت الكنيسة الأرثوذكسية أسمى هذه الكنائس رتبة بوصفها ممثلة لعشرة ملايين من رعايا السلطان الأرثوذكسيين، وبسبب حماية الروسيا لها أيضا. وكان رجال الأكليروس اللاتيني، ومعظمهم من أصل إسباني وإيطالي، يتمتعون بامتيازات أجنبية وبحماية وزارة الخارجية الإفرنسية. والواقع أن هذه الطوائف المختلفة كانت بحكم العادة، لا بحكم القوانين والأنظمة المكتوبة، تتمتع بحقوق متعارف عليها. ولم تكن هذه الحقوق على كل

<<  <  ج: ص:  >  >>