التعبير. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فقد كان الشيخ الحداد متقدما في العمر، ويميل بطبيعته للسلم، وبفضل التفرغ لأمور الدين، غير أنه كان من المحال فصل الدين عن أمور الدنيا، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالجهاد ضد أعداء الدين. ولم يكن الشيخ الحداد لينفرد في معالجة مثل هذا الأمر الخطير بنفسه، فكلف ابنيه (سى عزيز) و (محمد) بدعوة كل المقدمين المجاورين لصدوق للتشاور معهم، فأخذوا يتوافدون حتى أكمل جمعهم صباح يوم ٨ نيسان - إبريل - واحتشدوا بجوار القرية - وخرج إليهم شيخهم الوقور المسن ذو اللحية البيضاء، متكئا على عصاه. وحوله ابناه (سي عزيز) و (محمد) وبعض المقدمين المقربين إليه فوعظهم وأرشدهم، وأعلن لهم عن خلافة ابنيه له من بعده، ودعاهم بعد ذلك إلى الجهاد. وسلم لهم علم الجهاد الذي صنع قبل ذلك، وصاح قائلا - بعد أن رمى عصاه على الأرض -: (بإذن الله وعون رسوله سنرمي الإفرنسيين في البحر، ونطردهم من البلاد)(١).
ما كاد الشيخ الحداد يعلن ثورته، حتى اندفع كل الناس لحمل السلاح تحت راية (الإخوان الرحمانيين). في ولايتي (عمالتي) الجزائر وقسنطينة، من جحوط ومليانة وشرشال غرب مدينة الجزائر إلى جيجل والقل شرقا، وباتنة وبوسعادة وسور الغزلان جنوبا. وشمل ميدان الثورة جبال البابور والوادي الكبير وحوض الصومام وجبال جرجة والبيبان وحوض الحضنة وجبالها. وامتدت إلى سهل متيجه (متوجة) وحاصر الثوار مراكز الإفرنسيين وقلاعهم العسكرية في بجاية ودلس وتيزي أوزو وأربعاء نايث إيراثن وبرج منايل وذراع الميزان،
(١) ثورة ١٨٧١ - الدكتور يحيى بو عزيز - ص ٢٣٥ - ٢٤٠.