التي لم يستطع ان يتكيف مع مناخها وجوها، فقد رأى فيها جيلا من الأحفاد والأقارب لا يعرفهم إطلاقا، بعضهم تركهم صغارا، وبعضهم ولدوا بعد رحيله، وأصبحوا كلهم آباء لعائلات جديدة، ولم يعثر على أية زوجة من زوجاته. ولم يلبث أن توفي يوم ١٣ تموز - يوليو - ١٩٠٥ عن ستة وستين عاما. ودفن بمقبرة الحامة التي تعرف اليوم باسم (مقبرة سيدي محمد).
أما (سي عزيز المقراني) فقد أقام بكاليدونيا وهو يتحرق شوقا للعودة إلى الوطن، حتى إذا ما أذنت السلطات الإفرنسية للجزائريين المنفيين بالعودة إلى الوطن ومنعته من ذلك سنة ١٨٨١، ركب سفينة إنكليزية بطريقة خفية حملته إلى سيدني باستراليا، وواصل رحلته منها إلى الديار المقدسة في الجزيرة العربية. وأمضى فترة متنقلا بين جدة ومكة المكرمة مع إرسال الرسائل إلى أهله وأقاربه في الجزائر. وفي الفترة الأخيرة من القرن التاسع عشر، حصل له أحد أبنائه على إذن بالعودة إلى الجزائر، فرجع عن طريق فرنسا، التي دست له السم فمات في مرسيليا، وتولى ابنه وأهله أمر نقل جثته إلى الوطن، وما أن علم شعب الجزائر حتى زحف إلى الميناء للمشاركة في دفن رفاته، وخافت السلطة الإفرنسية من وقوع صدام مع الجماهير الثائرة، فوجهت الباخرة إلى ميناء سكيكدة، حيث تم دفنه إلى جانب أبيه في مقبرة قسنطينة , وأما أخوه محمد فقد بقي بجزيرة كاليدونيا يعيش حياة الهدوء والاستقرار ويظهر أنه توفي غريبا هناك بعد عام ١٨٨٨.
ومضت السيوف المجاهدة في سبيل الله، إلى أغمادها، واحدا بعد الآخر ولكنها استطاعت شق الطريق أمام أجيال المجاهدين في سبيل الله، الذين توارثوا الشعلة - جيلا بعد جيل - حتى وصل جيل الأحفاد إلى هدف الأجداد.