فـ (أينما) أكثر إبهاما وعموما من (حيثما) يدلك على ذلك الاستعمال القرآني علاوة على القياس، فقد وردت (حيثما) في تعبير واحد تردد في مكانين، وهو قوله تعالى {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}[البقرة: ١٤٤، ١٥٠].
وترددت (أينما) في أربعة مواضع، هي قوله تعالى:{أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا}[البقرة: ١٤٨].
وقوله:{أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}[النساء: ٧٨].
وقوله:{أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا}[الأحزاب: ٦١]. وقوله:{وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير}[النحل: ٧٦]
فأنت تحس بالشمول والعموم مع (أينما) أكثر من (حيثما)، وذلك أنها استعملت لمقدار قوة الله، وأنه لا يعجزه شيء {أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعًا} ولامتداد يد الموت وسطوته إلى كل مكان لا يحجزه عن شيء: {أينما تكونوا يدرككم الموت}.
ويوضح ذلك أيضا الآية الأخيرة {أينما يوجهه لا يأت بخير}[النحل: ٧٦]، فلو قال:{حيثما يوجهه لا يأت بخير} لتعين ذلك في المكان المادي المحسوس، ولكن قوله:{أينما يوجهه}[الأحزاب: ٧٦]، يوحي بالسعة والشمول وهو يشمل الوجهات المادية والمعنوية.
ثم أن قوله {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}[البقرة: ١٤٤]، ليس فيه شمول للأمكنة، فهناك أماكن لا تصح فيها الصلاة، وأزمنه لا يصح فيها الصلاة، أيضا وهناك حالات لا يصح فيها استقبال البيت الحرام، بخلاف ما ورد في (أينما) فإنها تستغرق الحالات المذكورةن فدل ذلك على أن الشمول والعموم في (أينما) أوسع من (حيثما) والله أعلم.