تقول:(أن تعدل في حكمك خير لك من أن تجور) فأوقعت تعدل مبتدأ أخبرت عنه. وتقول: يسرني أن تفوز فجعلت فاعلا.
وتقول: سررت بأنك فائز، فأوقعت أنت فائز، مجرورا بالحرف. وهكذا، ولا يتأتي ذلك لولا الحرف المصدري، وقد تقول: إذا كانت هذه الغاية من الحرف المصدري، فلماذا تعددت الحروف المصدرية؟
والجواب إن هذه الأحرف ليست متطابقة من حيث الوظيفة بل أن لكل حرف معنى ووظيفة قد تختلف عن الآخر.
فـ أن: تدخل على الجمل الإسمية وتفيد التوكيد، نحو:{واعلموا أنكم ملاقوه}[البقرة: ٢٢٣]، بخلاف أن الخفيفة الأصل فهي لا تفيد التوكيد، ولذا قالوا إذا وقعت أن المشددة بعد أفعال الرجحان أفادت العلم، نحو:{قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله}[البقرة: ٢٤٩]، وإذا وقعت الخفيفة لم تفد ذلك تقول (أظن أن يأتي محمد).
والمخففة من هذه حرف مصدري أيضا يدخل على مالا تدخل عليه المشددة، كالأفعال الجامدة والإنشائية وغيرها، نحو {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى}[النجم: ٣٩]، {وألو استقاموا على الطريقة}[الجن: ١٦]، وهي تفيد التوكيد أيضا كما أسلفنا في بابه.
أن: وتدخل على الجملة الفعلية، وهي تدخل على المضارع فتصرفه إلى الاستقبال غالبا نحو:(أريد أن تأتيني) وتدخل على الماضي نحو {هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله}[المائدة: ٥٩]، وتدخل على الأمر نحو:{وإذا أنزلت سورة أن أمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استئذنك أولوا الطول منهم}[التوبة: ٨٦]، ونحو قولك:(ناديتهم بأن أقدموا).
وقد تفيد التعليل نحو {عبس وتولى أن جاءه الأعمى}[عبس: ١، ٢]، وقد ذكر برجشتراسر أنها تفيد التعليل. جاء في التطور النحوي: وأخرجوا أن عن كونها مصدرية محضة.