يضمر الفاعل أحيانا ويفسر بالتمييز نحو قوله تعالى:{كبرت كلمة تخرج من أفواههم}[الكهف: ٥]، أي ما أكبرها كلمة وكقولك (بلغت خطبة ألقاها خطيب اليوم) أي ما أبلغها خطبة، ويقدر النحاة الفاعل ضميرا مستترا يفسره التمييز المذكور، ففي الآية يقدره النحاة كبرة الكلمة كلمة، وفي المثال يقدرونه: بلغت الخطبة خطبة.
ويفيد إضمار الفاعل وتفسيره بالتمييز، أن الفعل خرج من الخبر إلى معنى آخر، كالتعجب، أو إلى المدح، والذم، فقولك (بلغت خطبة ألفاها خطيب اليوم) يفيد التعجب كما ذكرنا، أو يفيد المدح كقولك (نعم الخطبة)، ولو صرحت بالفاعل فقلت (بلغت خطبة) أو (بلغت الخطبة) لاحتمل ذلك الأخبار، أي أخبرت أن خطبة بليغة ألقاها الخطيب واحتمل الإنشاء على معنى التعجب، أو إنشاء المدح والذم.
وسيأتي مزيد لهذا البيان في باب المدح والذم إن شاء الله تعالى، وقد يفيد الاستغناء بالتمييز عن الفاعل أن الفعل خرج إلى النهي، وذلك كما في فاعل (كفى) المفسر بالتمييز نحو (كفى إذلالا) و (كفى إرهاقا) و (كفى تعنتا)، والمقصود بهذا طلب الكف عن التمييز والانتهاء عنه، أي إنته عن الإذلال، والإرهاق، والتعنت/، ولذا لا يقال: كفى قلما ولا كفى شجرة لأنه لا يطلب الكف عن القلم والشجرة، أما إذا قلت (كفى الإذلال والإرهاق) فإنه يحتمل هذا المعنى، وهو طلب الكف عن الفاعل، ويحتمل الأخبار بأن هذا الأمر كفى عن غيره، كأن تقول:(كفى العلم أهل الفضل) أي كفاهم عن غيرهم، فهم قد اكتفوا به، ولا تقول (كفى علما أهل الفضل) على هذا المعنى، بل على معنى طلب الكف عن العلم، ويكون أهل الفضل منادي.
ويصح أن تقول (كفى قلمٌ) و (كفى كتابٌ) على معنى الإخبار، بأن القلم كان كافيا وكذلك الكتاب.
والخلاصة أن التمييز الذي يفسر الفاعل، ينقل الفعل من دلالة الأخبار إلى دلالة الإنشاء.