للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا القسم هو محل نظرنا. فما الفرق بين العطف وتركه؟ ما الفرق بين قولنا: (زيد كريم شجاع)، و (زيد كريم وشجاع)؟

يقول النحاة: "إذا تكررت النعوت لواحد فالأحسن أن تباعد معنى الصفات العطف نحو: {هو الأول والأخر والظاهر والباطن} [الحديد: ٣]، وغلا تركه نحو: {ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم} [القلم: ١٠ - ١٣] (١).

وقد جاء في (البرهان) في تعدد الصفات: " ومقتضااها ألا يعطف بعضها على بعض لإتحاد محلها، ولجريها مجرى الوصف في الصدق على ما صدق، ولذلك يقل عطف بعض صفات الله على بعض في التنزيل، وذلك كقوله: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، [البقرة: ٢٥٥]، وقوله: {الخالق الباريء المصور} [الحشر: ٢٤].

وإنما عطف قوله: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} لأنها أسماء متضادة المعاني في موضوعها، فوقع الوهم بالعطف عمن يستبعد ذلك في ذات واحدة، لأن الشيء لا يكون ظاهرًا باطنا من وجه، وكان العطف فيه أحسن. ولذلك عطف (الناهون)، على (الآمرون) و (أبكارا) على (ثيبات) في قوله {التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله} [التوبة: ١١٢]، وقوله: {أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} [التحريم: ٥]، فجاء العطف لأنه لا يمكن اجتماعهما في محل واحد بخلاف ما قبله" (٢).

[الواو للاهتمام والتحقيق]

التحقيق في هذه المسألة أن الواو تدل على الاهتمام، وتحقيق الأمر ولذا عطف بها بين الصفات المتباعدة، قال تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن}، إذ يبعد في الذهن


(١) الاتقان ٢/ ٧٠، وانظر معترك الأقران ١/ ٣٥٣، البرهان ٢/ ٤٤٦
(٢) البرهان ٣/ ٤٧٥، وانظر بدائع الفوائد ٣/ ٥٢ - ٥٤، ١/ ١٨٩

<<  <  ج: ص:  >  >>