للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك قوله تعالى: {فظلت أعناقهم لها خاضعين} [الشعراء: ٤]، فإنه ذكر ول يقل خاضعة، وذلك لأنه لا يريد خضوع الأعناق فقط، بل خضوع أصحابها أياض فقدم (الأعناق) للإسناد، ولكنه أخبر عن المضاف إليه فجمع المعنيين بذلك.

وكذلك قول الشاعر (تواضعت سور المدينة) فإنه لم يقل (تواضع سور المدينة) ولا شك أن الشاعر مضطر إلى ذلك، لإقامة الوزن، لكن فيه معنى حسنا مع ذلك، وذلك أنه أراد أن المدينة كلها تواضعت وليس السور وحده، فذكر السور لأنه حصن المدينة وحماها وأنث الفعل لإرادة المدينة أيضا فجمع بين المعنيين.

ونحوه قوله تعالى: {إن رحمت الله قريب من المحسنين} [الأعراف: ٥٦]، ولم يقل (قريبة) وذلك لكسب معنيين، وهما قرب رحمة الله وقربه هو أيضا وليست الرحمة وحدها قريبة وذلك كما قال الله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب} [البقرة: ١٨٦]، فجمع المعنيين معا: قربه وقرب رحمته، فقدم الرحمة وأخبر عن الله.

وهذا توسع في المعنى لا يؤديه الأصل فبدل أن يقول: أن رحمة الله قريبة والله قريب جمع ذلك من أخصر طريق وأوجزه فقال: {إن رحمت الله قريب من المحسنين} [الأعراف: ٥٦]، نعم قد يكون ذلك لإقامة وزن في شعر، وقد يرد من كلام العرب ما ليس على هذا القصد، ولكن البليغ لا يعدل من تعبير إلى تعبير إلا لقصد وغرض.

وهذا باب كبير مر طرف منه في مواضع متقدمة، وذلك كما في قوله تعالى: {وتبتل إليه تبتيلا} [المزمل: ٨]، وقوله: {وادعوه خوفا وطمعا} [الأعراف: ٥٦]، وغير ذلك.

[الظروف المعرفة بالقصد]

وهي التي يسميها النحويون (الغايات) وهي: قبل، وبعد، وفوق، وتحت، وأمام، ووراء، وخلف، وأسفل، ودون، وأول، وعلى نحوها.

ويذكر النحاة أن لها أربعة أحوال:

١ - ألا تضاف وهي في ذلك نكرات كقول الشاعر:

<<  <  ج: ص:  >  >>