وقد يعدل إلى غير هذا لضرب من البلاغة كتنزيل القلة منزلة الكثرة وبالعكس مما يليق به المقام، وذلك نحو قوله تعالى:{يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدوات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون}[البقرة: ١٨٣ - ١٨٤]، فقال (أياما معدوات) لتقليلها مع أنها أكثر من عشرة، أي هي قليلة يسيرة بالنسبة إلى قدرتكم واستطاعتكم، ولذا قال بعدها {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}[البقرة: ١٨٥].
وهو من باب التلطف بعبادة المؤمنين. وهذا نظير ما نستعمله في كلامنا فنقول لواحد منا وقد أعددنا له امرا فيه شيء من الكلفة نريد أن نهونه عليه فنقول: هذا بالنسبة إليك سهل ميسور، ولا يمر وقت قليل إلا وأنت منجزة، وبالعكس في مقام التقليل من شأن المخاطب فنقول له: هذا فوق طاقتك، وأنت لا تستطيع مثل هذا. ولكل مقام مقال.
[نون الوقاية]
تلحق نون الوقاية قبل ياء المتكلم المنصوبة بواحد من ثلاثة:
أحدها: الفعل سواء كان متصرفا أم جامدا نحو (أكرمني) و (ذهب الطلاب ما عداني) و (ما أفقرني إلى عفو الله).
الثاني: اسم الفعل نحو (دراكني) بمعنى ادركني (وتراكني) بمعنى (اتركني) و (عليكني) بمعنى الزمني.
الثالث: الحرف نحو: (إنني ولكنني) وهي جائزة الحذف والذكر مع إن وأن ولكن وكأن.