للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا قلت: (رأيته قبل محمد) أو (قبل مدة طويلة) كان مقيدًا بقيد الإضافة، نكرة أو معرفة.

وأما قولك: (رأيته قبل) فهو تعبير قليل، ولا يصح إلا إذا كان هناك لفظ معين قامت القرينة عليه فحذفته لذلك وأبقيت المضاف على حاله كأن المضاف إليه مذكور في الكلام.

فإن قلت: (رأيته قبل) قصدت به زمنا معينا معلوما وهذا الزمن معرفة، وكذا أن قلت (سقط من عل) فإن المعنى أنه سقط من علو مخصوص، بخلاف ما لو قلت (سقط من عل) فإن المعنى سقط من مكان عال غير معلوم، والله أعلم.

[حذف المضاف]

يحذف المضاف كثيرا في الكلام بدلالة القرائن الدالة عليه، ولحذفه أغراض أهمها:

١ - التجوز في الكلام والاتساع فيه، وذلك نحو قوله تعالى: {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر} [البقرة: ١٧٧]، والمعنى عندهم، ولكن ذا البر من آمن بالله، أو ولكن البر بر من آمن بالله (١). قالوا وذلك لأن البر صدر و (من آمن) جثة، فلا يخبر بالذات عن المصدر (٢). ومثله قوله تعالى: {ولكن البر من اتقى} [البقرة: ١٨٩].

والحق أنه ورد في اللغة الأخبار بالذات عن المصدر، وبالمصدر عن الذات لقصد التجوز والمبالغة، فمن الأول ما ذكرناه في قوله: {ولكن البر من اتقي} ونحوه، والقصد منه تجسيد المعاني وتحويلها إلى شخوص حية متحركة تراها العيون، فقوله تعالى {ولكن البر من آمن بالله} يفيد أن البر إذا تجسد كان شخصا مؤمنا بالله واليوم الآخر، فهو بذلك جعل البر شخصا يمشي على رجلين له سماته وصفاته.

ومن الثاني أعني الأخبار بالمصدر عن الذات قوله تعالى: {إنه عمل غير صالح} [هود: ٤٦]، فقد أخبر عن ابن نوح بقوله (عمل غير صالح)، والقصد منه تحويل الذات


(١) كتاب سيبويه ١/ ١٠٨
(٢) انظر شرح ابن يعيش ٣/ ٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>