للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منذ الأزل، وستبقي كذلك أبدًا، ولذلك قدمها إشارة إلى الهول العظيم والحدث الجسيم الذي يصيب هذه الأجرام، ألا ترى إلى قوله تعالى مثلا: {إذا زلزت الأرض زلزالها} [الزلزلة: ١]، كيف أخر المسند، لأن الزلزلة معهودة، مستمرة الحصول، بخلاف ما سبق ونحوه قوله تعالى: {فإذا برق البصر. وخسف القمر}، [القيامة: ٧ - ٨]، ولم يقل (وإذا القمر خسف) لأن خسوف القمر معتاد الحصول، ونحوه بريق البصر، وقد يكون لغير ذلك من أغراض التقديم التي ذكرنا طرفا منها.

وأظن أن تفسير مثل هذا وبيان معناه، أولى من ذكر الخلاف الذي لا طائل تحته، فيحس دارس العربية أن لهذا غرضا يرمي إليه المتكلم فيراعيه هو في كلامه، بخلاف ما يذكر من خلافات وأعاريب وتقديرات سمجة، نحو إذا انشقت السماء، وإذا انفجرت البحار فجرت مما يتنزع عنه الكلام البليغ، ولا يهضمه العقل، وينبو عنه الذوق.

[تقديم المفعول على الفاعل]

الأصل أن يتقدم الفاعل على المفعول نحو قولك (أكرم خالد سعيدًا) فهذا التعبير هو التعبير الطبيعي في اللغة، ويقال والمخاطب خالي الذهن. فإن حصل أي تغيير في هذه الصورة فإنما يحصل لغرض، وذلك كأن تقول: خالد أكرم سعيدًا بتقديم المسند إليه، كما أسلفنا أو أكرم سعيدا خالد خالد بتقديم المفعول به على الفاعل، أو سعيدا أكرم خالد بتقديم المفعول به على الفعل، والذي يعنينا هنا تقديم المفعول به على الفاعل.

يذكر النحاة أن الأصل أن يلي الفاعل الفعل (١)، ويجوز تقديم المفعول على الفاعل إلا إذا حصل لبس، فإنه عند ذلك يجب الابقاء على الأصل، وذلك كأن يخفى الأعراب ولا قرينة، نحو ضرب موسى عيسى، وأكرم هذا ذاك، وأكرم أخي صديقي، وأهان هذا من زاركم. فإن المتقدم هو الفاعل، فإن كانت هناك قرينة جاز التقديم، نحو أكل الكمثري موسى، وضرب ليلى عيسى.


(١) الجمل للزجاجي ٢٤، ابن عقيل ١/ ١٦٥، ابن الناظم ٩١، الرضي على الكافية ١/ ٧٥، الأشموني ٢/ ٥٥، الهمع ١/ ١٦١، التصريح ١/ ٢٨١

<<  <  ج: ص:  >  >>