المصدر هو الحدث المجرد فلا يخبر به عن اسم الذات فلا يصح أن تقول زيد انطلاق ومحمد ركض وخالد بكاء لأن زيدًا ليس انطلاقا، ومحمدًا ليس ركضا، وخالدا ليس بكاء، ولكن قد ورد في اللغة أخبار من هذا القبيل قال تعالى في ابن نوح:{إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح}[هود: ٤٦]، فقال عنه أنه عمل، فأخبر بالمصدر، عن الذات كما أخبر بالذات عن المصدر، في قوله تعالى:{ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر}[البقرة: ١٧٧]، وقالوا: رجل صوم، ورجل فطر، وإنما أنت سير، وقالت الخنساء تصف ناقتها:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبال وإدبار
فأخبرت عن الناقة بقولها (هي إقبال وإدبار) والإقبال والإدبار، لا يكونان خبرا عن الناقة وإنما هي مقبلة مدبرة، فما معنى هذا الإخبار وما الغرض منه؟
الغرض من هذا الإخبار هو المبالغة بجعل العين هو الحدث نفسه، أي أن ابنك يا نوح تحول إلى عمل غير صالح، ولم يبق فيه عنصر من عناصر الذات، والناقة تحولت إلى حدث مجرد من الذات فليس فيها ما يثقلها من عنصر الذات، وإنما هي تحولت إلى إقبال وإدبار، ومثل هذا الوصف بالمصدر نحو (أقبل رجلٌ عدلٌ).
جاء في (الخصائص): "إذا وصف بالمصدر صار الموصوف كأنه في الحقيقة مخلوق من ذلك الفعل وذلك لكثرة تعاطيه له واعتياده إياه، ويدل على أن هذا معنى لهم ومتصور في نفوسهم قوله:
ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل ... وضنت علينا والضنين من البخل
أي كأنه مخلوق من البخل لكثرة ما يأتي به منه، ومنه قول الآخر: