من العلوم أن نفي النفي إثبات، نحو (ماما محمد قائم) والمعنى: (محمد قائم) فهذا نفي للنفي، وذلك أن قائلا قال:(ما محمد قائم) فرددت عليه كلامه قائلا: (ما ما محمد قائم) أي ليس نفيك صحيحًا.
وليس من نفي النفي قولنا (لا لم أذهب) و (لا لا أذهب) فإن هذا توكيد للنفي، لا نفض له، وذلك أن (لا) الأولى حرف جواب نقيض نعم، كأن يقال لك (أذهبت إلى سعيد؟ ) فتقول: (لا لم أذهب) أو (أتذهب إلى سعيد)؟ فتقول (لا لا أذهب) فليس هذا نقضا للنف، بل هو توكيد له.
ومن نفي النفي قولنا:(لا أريد أن لا أذهب)، والمعنى أريد أن أذهب، لأن قولك (أريد أن لا أذهب) معناه تريد عدم الذهاب، فإن نفيت هذه الإرادة فقلت:(لا اريد أن لا أذهب) كان المعنى لا تريد عدم الذهاب، ونحوه أن تقول (لا أمانع ألا يحضر) والمعنى انك تمانع حضوره، لأن قولك (أمانع ألا يحضر) معناه أنك تمانع عدم حضوره، فهذا نفي للنفي، فكان إثباتا.
وقريب من هذا ما هو نفي في المعنى، نحو (ما معنك أن لا تعتذر)؟ وهذا يدل على أنه اعتذر فقال له سائلا: ما منعك من عدم الاعتذار؟ ذلك لأن قولك (ما منعك أن تعتذر؟ ) معناه أنه لم يعتذر فقال له: ما منعك من الاعتذار؟ ثم نفي هذا المنفي، فقال:(ما منعك أن لا تعتذر)؟ أي: ما منعك من عدم الاعتذار؟
ونحوه قوله تعالى:{قال يإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي}[ص: ٧٥]، أي: ما منعك من السجود؟
وأما قوله تعالى:{قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك}[الأعراف: ١٢] فـ (لا) زائدة ولابد، لأنها لو لم تكن زائدة، لكان المعنى أنه سجد، فحاسبه على السجود، وسيكون المعنى عند ذاك: ما منعك من عدم السجود؟ بعكس المعنى الأول وهذا باطل، وقد مر بحث