ومما استعمل مقدمًا بكثرة لفظتا (مثل) و (غير) إذا أريد بهما الكناية من غير تعريض تقول: (مثلك يرعى الحق والحرمة) فلا يقصد به إنسانًا غير المخاطب ولكنه عادل من الضمير إلى لفظة (مثل) لإفادة أن من كان مثله في المنزلة والصفة يفعل مثل هذا الفعل أو لا يفعله في نحو قولك (مثلك لا يقول هذا).
وكذلك قوله (غيري يقول الباطل) وهو هنا لم يرد التعريض بأحد، وإنما صرف قول الباطل عن نفسه بلفظة (غير) والفرق بين قولك (أنا لا أقول الباطل) و (غيري يقول الباطل) أنك في الجملة الأولى نفيت الأمر عن نفسك مباشرة، وفي الثانية أسندت هذا الفعل إلى غيرك، ولا تقصد بـ (غير) إنسانًا معينًا فكأن معنى الجملة الثانية: إن الذي يغايريني فيخلقي وحالي، هو الذي يقول الباطل، فنفي الفعل عن نفسه بطريق غير مباشر. وقد التزمت العرب، أو كادت في مثل هذا التعبير تقديم (مثل) و (غير) فلا تقول (يرعى الحرمة مثلك) ولا (يقول الباطل غيري) بالقصد الذي ذكرناه.
جاء في (دلائل الإعجاز): "ومما يرى تقديم الاسم فيه كاللازم (مثل) و (غير) في نحو قوله:
مثلك يثني المزن عن صوبه ... ويسترد الدمع عن غربه
وقول الناس: مثلك رعى الحق والحرمة .. وما أشبه ذلك مما لا يقصد فيه بـ (مثل) إلى إنسان سوى الذي أضيف إليه ولكنهم يعنون أن كل من كان مثله في الحال والصفة كان مقتضى القياس، وموجب العرف والعادة أن يفعل ما ذكر أو أن لا يفعل ..
وكذلك حكم (غير) إذا سلك به هذا المسلك فقيل: غيري يفعل ذاك على معنى أني لم أفعله لا أن يومئ بـ (غير) إلى إنسان فيخبر عنه بأن يفعل كما قال:
غيري بأكثر هذا الناس ينخدع
وذلك أنه معلوم أنه لم يرد أن يعرض بواحد كان هناك فيستنقصه ويصفه بأنه مضعوف يغر ويخدع ..