للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشك في الفاعل من هو؟ وكان التردد فيه. ومثال ذلك أنك تقول: أبنيت الدار التي كنت على أن تبنيها؟

أقلت الشعرَ الذي كان في نفسك أن تقوله؟ أفرغت من الكتاب الذي كنت تكتبه؟ تبدأ في هذا ونحوه بالفعل، لأن السؤال عن الفعل نفسه والشك فيه، لأنك في جميع ذلك متردد في وجود الفعل وانتفائه مجوز أن يكون قد كان، وأن يكون لم يكن، وتقول: أأنت بنيت هذه الدار؟ أأنت قلت هذا الشعر؟ أأنت كتبت هذا الكتاب؟ فتبدأ في ذلك كله بالاسم.

ذلك لأنك لم تشك في الفعل أنه كان، كيف وقد أشرت إلى الدار مبنية والشعر مقولاً والكتاب مكتوبًا؟ وإنما شككت في الفاعل من هو؟ فهذا من الفرق لا يدفعه دافع ولا يشك فيه شاكّ، ولا يخفى فساد أحدهما في موضع الآخر. فلو قلت: أأنت بنيت الدار التي كنت على أن تبنيها؟ أأنت قلت الشعر الذي كان في نفسك أن تقوله؟ أأنت فرغت من الكتاب الذي كنت تكتبه؟ خرجت من كلام الناس. وكذلك لو قلت: أبنيت هذه الدار؟ أقلت هذا الشعر؟ أكتبت هذا الكتاب؟ قلت ما ليس يقول" (١).

وجاء في (الكشاف) في قوله: {أنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل} [الفرقان: ١٧]، "فإن قلت: ما فائدة: (أنتم)، و (هم)، وهلا قيل: أضللتم عبادي هؤلاء أن هم ضلوا السبيل؟ قلت: ليس السؤال عن الفعل ووجوده لأنه لولا وجوده لما توجه هذا العتاب، وإنما هو عن متوليه فلابد من ذكره وإيلائه حرف الاستفهام حتى يعلم إنه المسؤول عنه .. والمعنى أأنتم أوقعتموهم في الضلال عن طريق الحق أم هم ضلوا عنه بأنفسهم" (٢).


(١) دلائل الإعجاز ٨٦ - ٨٨
(٢) الكشاف ٢/ ٤٠٢ - ٤٠٣

<<  <  ج: ص:  >  >>