للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الحذف]

حذف المفعول به على ضربين:

١ - أن يحذف من الكلام لفظا لكنه مراد معنى وتقديرا وهو الذي يمسيه النحويون: (الحذف اختصارا) ولا يحذف إلا لديل ولذلك نحو قوله تعالى: {ذرني ومن خلقت وحيدا} [المدثر: ١١]، أي من خلقته لأن الاسم الموصول لابد له من عائد، وكقوله: {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} [البقرة: ٤٠]، أي أنعمتها ومن هذا الحذف قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين} [البقرة ٢٣]، أي فإن لم تفعلوا الاتيان ولن تفعلوه، وقد حذف للعلم به لأنه مر ذكره ونحوه قوله تعالى: {والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات} [الأحزاب: ٣٥].

ومن هذا الباب نحو قوله تعالى: {وأضل فرعون قومه وما هدى} [طه: ٧٩]، أي وما هداهم غير أن الحذف هنا له غرض لطيف علاوة على الإيجاز وذلك أنه أخرجه مخرج العموم أي أن فرعون لا يتصف بصفة الهداية البتة وذلك أنه لو قال (وما هداهم) لكان عدم الهداية مقيدا بقومه إذ يحتمل أنه هدي غيرهم لكنه قال (وما هدي) أي ما هدي أحدا. ومثله قوله تعالى: {ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى} [طه: ١٢٢]، أي وهداه غير أنه اخرجه مخرج العموم فلم يقصر الهداية على آدم عليه السلام.

ويذكر النحاة أن المفعول قد يحذف لتناسب الفواصل كقوله تعالى: {ما ودعك ربك وما قلى} [الضحى: ٣]، أي وما قلاك، غير أنني أرى لهذا الحذف غرضا بديعا وسرا لطيفا علاوة على ما ذكروه، وهو أن الحذف ههنا للاكرام والتعظيم وذلك أنه تعالى لم يرد أن يواجهه بالقلي فيقول (وما قلاك) وإنما اكتفي بالمفعول السابق أكراما لرسول الله من أن يناله الفعل. ونحو هذا يجري في كلامنا كأن يقول أحد لآخر بلغني عنك أنك شتمت وقلت وقلت، فيقول: لا والله ما شتمت ولا قلت، فحذف المفعول من الفعلين تعظيما له من أن يناله الفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>