للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحقيقة أنها ليست للتقليل ولكن هذا من باب قصر الموصوف على صفة فداء معنى التقليل من هنا، وذلك كأن تقول (ما محمد إلا شاعر) فقد قصرت محمدًا على صفة واحدة هي الشعر، ونفيت عنه الصفات الأخرى كأن يكون كاتبًا أو فقهيًا بعكس ما لو قلت (ما شاعر إلا محمد) فإنك تكون قد قصرت الشعر على محمد، وكأن من عداه ليس بشاعر ولم تنف عنه الصفات الأخرى، وهو ثناء ومدح بعكس الأولى.

فإن لم تكن (ما) كافة، فهي زائدة لغرض الزيادة في التوكيد، وليس فيها معنى الحصر نحو (إنما محمدًا حاضر).

[كأنما]

تزاد (ما) الكافة بعد (كأن) فتكفها، وتهيئها للدخول على الجملة الفعلية، وتوسع دائرة التشبيه بها بعد أن كانت مقصورة على الجمل الإسمية، وذلك كقوله تعالى: {كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون} [الأنفال: ٦]، وقوله: {كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما} [يونس: ٢٧]، وذلك يكون بحسب الغرض من التشبيه، إذ قد يكون الغرض الاهتمام بالمشبه، وقد يكون الغرض الاهتمام بذكر الحالة المشبه بها، دون الاهتمام بالمشبه لأنه لا يتعلق بذكره غرض، ومن ذلك على سبيل المثال أن تقول (كأن محمدًا شد في قرن) و (كأنما شد محمد في قرن) فأنت ترى أن ثمة فرقا بين التعبيرين، فقد قدم (محمد) على الفعل في الجملة الأولى للعناية والاهتمام به، بخلاف الثانية فإن الاهتمام إنما هو بالحالة الفعلية المشبه بها لا المشبه. قال تعالى: {أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} [المائدة: ٣٢]، ولم يقل (فكأنه قتل الناس) لأن الغرض إنما هو بيان شناعة الفعل، أيا كان الفاعل فجيء به على ما ترى.

أما إذا وليتها جملة إسمية نحو قولك (كأنما خالد أسد) فالذي يظهر أن القصد منها إنما هو قصر المشبه به معين، وهو مقتضي قول النحاة وذلك إن النحاة يقولون إن أصل (كأن خالدا أسد) (أن خالدًا كأسد) فقدمت الكاف لقصد العناية بالتشبيه،

<<  <  ج: ص:  >  >>