وبذلك يكون التعبير بالرفع تعبيرا احتماليا، أي قد يحتمل أحيانا السببية، وقد يحتمل غيرها، أما النصب فهو تعبير قطعي في الدلالة على السبب، وهذا شبيه بقولنا (أقبل محمد وخالد) فإنه بالرفع يحتمل المصاحبة وغيرها، وبالنصب يكون نصا في المعية وشبيه بقولنا (لا رجل في الدار) فإنه بالرفع يحتمل نفي الجنس والوحدة، وبالفتح هو نص في نفي الجنس.
[واو المعية]
ينتصب الفعل المضارع بعد الواو، للدلالة على المعية نصا، نحو (لا تأكل وتضحك) أي لا تجمع بين الأكل والضحك ونحو قوله:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
أي لا تجمع بينهما:
ويصح الاتباع على معنى آخرـ هو النهي عن كل واحد منهما على حدة، فيكون معنى المثال الأول ولا تأكل ولا تضحك، ومعنى البيت (لا تنه عن خلق ولا تأت مثله) وهو غير مراد لأنه ليس المراد أن ينهاه عن أن ينهي عن خلق بل المراد أن يقول له: إذا نهيت عن خلق فلا تفعل مثله.
ويجوز الرفع على قصد الاشتئناف، فإذا رفعت (تضحك) كان المعنى أنك أثبت له الضحك، أي (أنت تضحك) فهو ينهاه عن الأكل، ثم يقول له (انت تضحك) أي هذا شأنك، أو على معنى إباحة الضحك له، أو على معىن آخر سنذكره في موطنه.
وإذا رفع (تأتي) كان المقصود أنه يفعل مثل ذلك الخلق، فيكون المعنى أنه ينهاه عن أن ينهي عن خلق، مع أنه مستمر على فعله.
ومنه المثال النحوي المشهور (لا تأكل السمك وتشرب اللبن) بنصب (تشرب) والمقصود النهي عن الجع بينهما، وإباحة أن يأكل السمك على حدة، وأن يشرب اللبن