للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عز وجل وعد على عمل ليس فيه التوبة، ولا اجتناب الكبائر تكفير بعض السيئات، وعلى عمل فيه توبة واجتناب الكبائر تمحيص جميع السيئات، يدل على ذلك قوله تعالى في الآية الأخرى: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخوفها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم} [البقرة: ٢٧١]، فجيء بـ (من) ههنا، وفي قوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} [النساء: ٣١]، لم يأت بـ (من) لأنه سبحانه وعد باجتناب الكبائر تكفير جميع السيئات، ووعد بإخراج الصدقة على ما حد فيها، تكفير بعض السيئات (١).

وكذلك قوله تعالى: {يغفر لك من ذنوبكم} فهي للتبعيض أيضا وليست بمعنى (يغفر لكم ذنوبكم) فإن الموطن مختلف فهي في الأولى في قوم نوح، والثانية في الأمة المحمدية (٢).

وارى أنه لا يصح القول بأن هذه اللفظة بمعنى تلك بالاستدلال بآية على أخرى، حتى يتماثل الموطنان والسياقان، فإن القرآن دقيق غاية الدقة في المخالفة بين التعابير والألفاظ لاختلاف الموطن والسياق.

[منذ ومذ]

هذا الحرفان لفظاهما متقاربان، فقد تضمن (منذ) حرفي (مذ) مع زيادة النون، ولذلك قالوا بأن أحدهما أصل للآخر، فقد قالوا إن أصل مذ منذ، وذلك لتقارب لفظيهما، كما ذكرنا ولأنك إذا اضطررت فحركت الذال من (مذ) حركتها بالضم، فتقول (ما رأيته مذ اليوم) فترجعها إلى الأصل، ولأنك إذا صغرت (مذ) قلت (منيذ) وإذا كسرتها قلت (أمناذ) (٣). فرجعت النون في التصغير والتكسير.


(١) شرح ابن يعيش ٨/ ٣١
(٢) حاشية الخضري على ابن عقيل ١/ ٢٩٩
(٣) انظر كتاب سيبويه ٢/ ١٢٢، وأسرار العربية ٢٧٠، شرح ابن يعيش ٨/ ٤٦

<<  <  ج: ص:  >  >>