جاء في (دلائل الإعجاز): " إذا قلت (ما فعلت) كنت نفيت عنك فعلا لم يثبت أنه مفعول، وإذا قلت:(ما أنا فعلت) كنت نفيت عنك فعلا ثبت أنه مفعول .. وكذلك إذا قلت (ما ضربت زيدًا) كنت نفيت عنك ضربه، ولم يجب أن يكون قد ضرب، بل يجوز أن يكون قد ضربه غيرك، وأن لا يكون قد ضرب أصلا، وإذا قلت:(ما أنا ضربت زيدًا) لم تقله إلا وزيد مضروب، وكان القصد أن تنفي أن تكون أنت الضارب.
وههنا أمران يرتفع معهما الشك في وجوب هذا الفرق، ويصير العلم به كالضرورة: أحدهما أنه يصح لك أن تقول: (ما قلت هذا ولا قاله أحد من الناس) و (ما ضربت زيدًا ولا ضربه أحد سواي) ولا يصح ذلك في الوجه الآخر، فلو قلت (ما أنا قلت هذا ولا قاله أحد من الناس) و (ما أنا ضربت زيدًا ولا ضربه أحد سواي) كان خلفا من القول (١).
ومن ذلك:
[تقديم القيد على الفعل]
نحو تقديم المفعول به، والجار والمجرور، والظرف وغير ذلك وهو يفيد ما أفاده الأول من الإثبات والنفي، وذلك نحو قولك:(ما خالدًا أكرمت) فإنه يفيد نفي الإكرام لخالد خاصة، وإثباته لغيره، بخلاف ما لو قلت:(ما أكرمت خالدًا) فإنه يفيد نفي الاكرام لخالد ولم تعرض لغيره بإثبات أو نفي، فقد تكون أكرمته اولا تكون، ولذا يصح، أن تقول (ما أكرمت خالدًا ولا غيره) ولا يصح أن تقول (ما خالدا أكرمت ولا غيره) لأن تقديم المفعول به أفاد إثبات الفعل، وهو الإكرام فكيف تنقضه؟
وكذلك الجار والمجرور نحو (ما إلى جاء) فإنه نفي المجيء إليه، وأثبت المجيء إلى غيره، بخلاف ما لو قال (ما جاء إلي) فإنه نفي المجيء إليه، ولم يعرض للمجيء إلى غيره فقد يكون حصل أو لم يحصل.