وأما النفي، بـ (غير) فهو يفيد الإثبات لغير المذكور، ويفيد النفي، عن المذكور، بلفظ المغايرة، فقولك (ما محمدا أكرمت) يفيد نفي الإكرام عن محمد خصوصا، وإثبات الإكرام لغيره استنتاجًا، وقولك (غير محمد أكرمت) يفيد إثبات الإكرام لغير محمد، وينفي عن محمد بلفظ المغايرة، والمعنى في التعبيرين نفي الاكرام عن محمد، ولكن بطريقتين مختلفتين.
إن الأصل كما يبدو من لفظ (غير) أنها كانت تستعمل للمغايرة إطلاقا، وبتطور الدلالة اقتربت المغايرة من معنى الإستثناء، حتى أصبحت استثناء كما مر في باب الاستثناء. واقتربت من معنى النفي، عن طريق الإثبات لما غاير المذكور، حتى صارت نفيا عن المذكور، وربما أنمحى معنى المغايرة من الذهن في الاستثناء، والنفي فلا يفهم إلا بالتأويل والتأمل، فقولك (ما حضر غير علي) مثلا يفهم منه (ما حضر إلا علي) ولا يفهم منه أن الشخص الذي هو غير علي لم يحضر، وكذلك قوله تعالى:{فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين}[الذاريات: ٣٦]، فإن معنى المغايرة أنمحي أوكاد من هذا التعبير، ولم يفهم إلا بالتأويل وأعمال الفكر، لعقد الصلة بين الإستثناء والمغايرة.
وكذلك النفي في نحو قوله تعالى:{ويقتلون النبين بغير حق}[آل عمران: ٢١]، وقوله:{إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب}[الزمر: ١٠]، فإنه لا يفهم منه إثبات غير الحق، وإثبات غير الحساب، إلا تأولا وتأملا، وإنما يفهم نفي الحق، ونفي الحساب بداهة وابتداء.
[قل وقلما وأقل]
هذه ألفاظ تفيد القلةن والأصل أن تفيد وقوع الشيء قليلا، وقد تستعمل للنفي أي عدم وقوع الشيء، تقول (قلما رددت عليه) إذا عنيت أنك رددت عليه قليلا وقد يراد بها عدم الرد أي ما رددت عليه.
وتقول:(أقل رجل يفعل ذاك) على معنى (مارجل يفعل ذاك).