وذلك أن (ما) تنفي الأفعال، وتنفي الجمل الإسمية، ولكنها لا تنفي الاسم المفرد، إلا بقيود وذلك أن لها صدر الكلام، فلا يصح أن تقول مثلا (محمد ما حاضر) ولا (أقبل محمد ما مسرعا) ولا (أكرمت ما محمدًا) بل تقدم (ما) مع منفيها إلى صدر الكلام، فتقول (ما حاضر محمد) و (ما مسرعا أقبل محمد) و (ما محمدًا أكرمت) والمعنى في التقديم يختلف عنه في التأخير، وأما (غير) فيصح تقديمها وتأخيرها، فتقول (محمد غير قائم) و (غير قائم محمد) و (أكرمت غير محمد) و (غير محمد أكرمت).
ولا يمكن نفي الصفة مثلا بـ (ما) لأن الصفة لا تتقدم في أول الكلام كما هو معلوم. وكذلك (لا) فإنها تنفي الأفعال وتنفي الجمل الإسمية، وقد تنفي الاسم المفرد، ولكن لا تنفيه إلا بقيد أيضا، فهي لا تنفي الخبر المفرد، ولا الصفة، ولا الحال، إلا بشرط تكرارها كما مر، وذلك لأنه يراد بها إشراك أكثر من جهة في النفي، بخلاف (غير) فإنه لا يشترط أن تتكرر كما هو واضح من الأمثلة، فوظيفة (لا) تختلف عن وظيفة أدوات النفي الأخرى هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن (غيرا) اسم يفيد المغايرة، فقولك (غير محمد) يعني شخصا آخر مغايرا لمحمد، وأما (ما محمد) فيعني النفي عن محمد، ولا يعني شخصا آخر مغايرا لمحمد، وأما (ما محمد) فيعني النفي عن محمد، ولا يعني شخصا آخر، فإذا قلت مثلا (ما محمد حضر) فإنك نفيت الحضور عن محمد خصوصا، ولكن إذا قلت:(غير محمد حضر) فإنك أثبت الحضور لشخص آخر غير محمد. وكذلك إذا قلت (ما محمدًا أكرمت) فإنه يفيد نفي الإكرام عن محمد خصوصا، وينفي هذا الخصوص عن محمد، يدل التعبير استنتاجًا عن أنك أكرمت غير محمد، وأما قولك (غير محمد أكرمت)، فإنه يفيد إثبات الإكرام لشخص غير محمد، وبلفظ المغايرة دل التعبير على نفي الإكرام لمحمد، فهما طريقتان مختلفتان في النفي والإثبات، فالأولى أعني بالحرف هو نص على النفي، وقد يستفاد الإثبات لغير المنفي استنتاجًا.