لا تظن أنني عائد إليهم) فكررت (لا تظن أنني) خوفًا على السامع من أن ينسى أول الكلام، ولذا يحسن إذا طال الكلام توكيد أوله توكيدًا لفظيًا، لتمكين الحكم في ذهنه وعدم فتوره عنه قال تعالى:{أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابًا وعظامًا أنكم مخرجون}[المؤمنون: ٣٥]، فأكد (أنكم) لما طال الكلام لتقويته في ذهن السامعين.
وقال:{لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحيبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم}[آل عمران: ١٨٨]، فأكد (لا تحسبن) بقوله (فلا تحسبنهم) لأن الكلام قد طال وأراد تمكين الحكم وتقريره في أذهان المخاطبين، والله أعلم.
[توكيد الفعل بالنون]
يؤكد الفعل المضارع، وفعل الأمر، بنوني التوكيد الثقيلة والخفيفة، نحو:(لأقومن بواجبي) و (لأقومن بواجبي) قال تعالى: {لينبذن في الحطمة}[الهمزة: ٤]، وقال:{لنسفعا بالناصية}[العلق: ١٥]، ويدل على أنهما حرفا توكيد انه يجاب بهما القسم، قال تعالى:{تالله لتسئلن عما كنتم تفترون}[النحل: ٥٦].
ويبدو أن النون حرف يؤكد الأسماء والأفعال، غير أنها تدخل في أول الإسم، آخر الفعل فـ (أن) هي نون ثقيلة مسبوقة بالهمزة، ولما كانت تدخل في أول الإسم، بدئت بهمزة توصلا إلى النطق بالساكن، وجعلت الهمزة من بناء الكلمة.
وهناك تشابه بين (أن) والنون، فكلتاهما حرف توكيد، غير أن إحداهما تؤكد الأسماء والأخرى تؤكد الأفعال، وكلتاهما ثقيلة وخفيفة، وكلتاهما تدخل الفتح على ما دخلت عليه فـ (أن) تدخل على الأسماء وتنصبها، والنون تدخل على الفعل وتبنيه على الفتح.
تقول:(أن محمدًا ليسافرن)، وكلتاهما يجاب بها القسم في الإثبات، تقول:(والله لأذهبن) و (والله إني لمعكم) قال تعالى: {وتالله لأكيدن أصنامكم}[الأنبياء: ٥٧]، وقال:{فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون}[الذاريات: ٢٣].