فقد يكون التقديم للقصر كقولك (إذا محمد جاءك فأكرمه) فهناك فرق بين قولك (إذا جاء محمد فأكرمه) و (إذا محمد جاءك فأكرمه)، ففي الجملة الأولى تأمر المخاطب بإكرام محمد، ولم تنهه عن إكرام غيره.
وأما قولك (إذا محمد جاءك فأكرمه) فإنه يدل على قصر الاكرام على محمد دون غيره، وهو نظير قولك (أكرم محمدًا) و (محمدًا أكرم) فالأولى أمر بإكرام محمد دون إشارة إلى غيره، والثانية تخصيص محمد بالإكرام وقصره عليه، جاء في (الكشاف) في قوله تعالى {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق}: " وتقديره لو تملكون .. فأما يقتضيه علم البيان، فهو أن (تملكون) فيه دلالة على الاختصاص وأن الناس هم المختصون بالشح المتبالغ، ونحوه قول حاتم:(لو ذات سوار لطمتني) وقوله المتلمس:
ولو غير أخوالي أرادوا نقيضتي
وذلك لأن الفعل الأول لما سقط لأجل المفسر برز الكلام في صورة المبتدأ والخبر (١).
والزمخشري مع وقوعه على المعنى الصحيح تابع الجمهور في التقدير ههنا، علمًا بأنه إذا كان الكلام دالا على الاختصاص، دل بحكم ذلك على أن المسند إليه مقدم على فعله، وليس كا ذهب إليه الجمهور.
وقد يكون التقديم للتهويل كقوله تعالى:{إذا السماء انفطرت. وإذا الكواكب انتثرت. وإذا البحار فجرت}[الإنفطار: ١ - ٣]، وكقوله:{إذا الشمس كورت}[التكوير: ١]، فإن في تقديم المسند إليه تهويلا لا تجده في التأخير، ألا ترى أن السماء لم يسبق لها أن انفطرت، ولا الكواكب انتثرت، ولا البحار فجرت، ولا الشمس كورت، فهذه الإجرام مستقرة على عادتها الدهور المتطاولة والاحقاب المتوالية حتى ذهب بعض الناس إلى أنها على حالها