للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قولي: (أريد أن تفعل ذلك) يتعدي قولي: أريد فعلك، ذلك في أن نصب الفعل يقرب أن من كي كأني قلت: أريد كي تفعل ذلك، أي غرض إرادتي فعلك ذلك كما جاء في القرآن الكريم: {إنما يريد الله ليعذبهم بها} [التوبة: ٥٥]، فالجمل المصدرية النائبة عن مفعول فعل من أفعال الإرادة والطلب وما يشاكلها، تقترب من الجمل الغرضية في جوهر معناها (١).

غير أني أخالفه في المثال الذي ذكره (أريد أن تفعل ذلك) فهذا لا يفيد التعليل، ولا شك أنه يعني بالغرض التعليل، خصوصا وأنه نظرها بـ (كي) أما إذا كان يقصد بقوله (غرض) المعنى العام فإن كثيرا من المفعول به غرض، فإذا قلت أريد كتابا كان الكتاب غرضا، وإذا قلت (أود لقاءه) كان اللقاء غرضا بهذا المعنى.

وقد وردت أن للتعليل كثيرا في القرآن الكريم، وذلك نحو قوله: {ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا} [المائدة: ٢]، أي لأن صدوكم.

وقوله: {تولوا وأعينهم تفيض من الدع حزنا ألا يجدوا ما ينفقوا} [التوبة: ٩٢]، وقوله: {وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا} [مريم: ٩٠ - ٩١].

وقد تقول إن معنى التلعيل لم يأت من (أن) وإنما هو من الحرف المقدر اللام أو غيره.

وأقول: إذا كان بالإمكان تقدير حرف يفيد التعليل في قسم من الأمثلة فقد يمتنع في قسم آخر، فمن الأول قوله تعالى: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى} [عبس: ١ - ٢] أي لأن جاءه.

ومن الثاني: قوله تعالى: {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله} [غافر: ٢٨]، فلا يصح إبدال كي أو اللام بها، فلا يصح للمعنى نفس أن تقول (أتقتلون رجلا كي يقول ربي الله) أو ليقول ربي الله، واللام عندهم على تقدير (أن)، فمعنى الآية: أتقتلونه لآنه يقول ربي الله، ومعناها باللام أو بـ (كي) أتقتلونه حتى يقولها.

فمعناها بـ (أن) أنه يقولها ومعناها بـ (كي) وباللام أنه لا يقولها


(١) التطور النحوي ١٢٦

<<  <  ج: ص:  >  >>