للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكقولهم " لله دره" للدلالة على التعجب فنحن حين نقول: " لله دره كاتبا أو شاعرا" لا نريد المعنى المعجمي لهذه العبارة، بل ربما لم نفهم المعنى الأصلى لها. وقد اختلف اللغويون في أصل هذا التعبير وأشهر ما ذكر فيه، إن الدر هو اللبن، فمعنى قولهم " لله دره " إن الله سقاه لبنا خاصا. " أي ما أعجب هذا اللبن الذي نزل به مثل هذا الولد الكامل في هذه الصفة" (١).

بل ربما تكلم الناس بكلام لا يفهمون معناه ولا ألفاظه وإنما تعارفوا عليه، أو نقل من لغة أخرى، واختفى المعنى الدلالي واللغوي للأصل، فنحن في العراق نستعمل مثلا " قزل قرط" في التوبيخ، والغضب، والدعاء على المخاطب، ولكن الناس لا يفهمون القصد الحقيقي من هذا التعبير ولا معناه، وقد استفسرت من كثير من الناس عن معنى هذا التعبير الدارج فلم يعرفه منهم أحد (٢).

ومن ذلك قولهم في الاستحسان وتحبيذ الأمر عَلُوّا الذي فيه معنى التمني، ولكن الأصل لهذا التعبير قد فقد، وأظن أن أصله ألا يا حبذا فاقتصر على ألا يا تخفيفا، ثم أبدلت العامة الهمزة عينا، كقولهم القرعان، في القرآن ثم قلبت يا إلى وا فتغير التعبير إلى ما ترى، ومثل هذا التغيير كثير في اللغة.

ونحو ذلك قولهم حي الله بمعنى أيا كان، تقول لصاحبك: ماذا تأخذ أهذا أم ذلك؟ فيجيبك حي الله أي: أيا كان، وبقيت مدة أفكر في أصل هذا التعبير وعلاقته بهذا المعنى، إلى أن استقر رأيي على أن أصله أيا كان ثم أي إللى كان ومعنى اللى الذي عند العامة وأحيانا نقول: هي اللى كان بإبدال الهمزة هاء ثم حذفت كان


(١) التصريح: (١/ ٣٩٧)
(٢) ذكر أحد الفضلاء أن هذا التعبير دخل العامية العراقية من التركية وهو مركب من كلمتين:
١ - قيزيل وهي لفظة تركية ومعناها مرض الحمى القرمزية.
٢ - كورت وهي لفظة إيطالية الأصل دخلت اللغة التركية ومن معانيها القرين. فكأن الإنسان يدعو على مخاطبة بأن تلازمه الحمى القرمزية.

<<  <  ج: ص:  >  >>