وإذا كانت كافة كان لها غرض آخر، كما سبق أن ذكرنا في بحث الأحرف المشبهة بالفعل وحروف الجر.
وهي هنا زيدت غير كافة، ولا مغيرة من طبيعة الأداة، فهي مؤكدة، ويدل على ذلك أيضا الاستعمال القرآني، فحيثما زيدت (ما) مع (إنْ) الشرطية أكد شرطها بالنون، ولم يتخلف من ذلك موطن واحد، وقد وردت في أربعة عشر موضعا، وذلك نحو قوله تعالى:{وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى}[الأنعام: ٦٨].
وقوله:{وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء}[الأنفال: ٥٨].
وقوله:{وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك}[الرعد: ٤٠].
وهذا التوكيد كثير غالب في كلام العرب، وهذا يدل على أنها تفيد التوكيد، ألا ترى أن (إنّ) لما كانت مؤكدة قد يؤتى معها باللام زيادة في التوكيد، وأن القسم لما كان مؤكدا كان جوابه أيضا مؤكدا، فهو قد يجاب بـ (إنّ) واللام، أو يجاب باللام ونون التوكيد في الفعل المضارع، او يجاب باللام و (قد) في الفعل الماضي.
فهذا دليل ظاهر على أنها تفيد التوكيد، إذ لم يؤكد شرطها مع (ما)، ولا يؤكد من دونها؟ ثم إن مواطن الاستعمال تدل على التوكيد.
جاء في (درة التنزيل وغرة التأويل) للخطيب الإسكافي: قوله تعالى: {حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم} وجلودهم بما كانوا يعملون} [فصلت: ٢٠]، وقال في سورة الزخرف:{حتى إذا جاءنا قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}[الزخرف: ٣٨]، وقال قبله:{حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها}[الزمر: ٧١]، يعني أبواب جهنم، وقال بعدها:{حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها}[الزمر: ٧٣] يعني أبواب الجنة.